في صحيفة «يديعوت أحرونوت» 25/10، كتب مستشار شارون «دوف فايسغلاس» مقالا افتتاحيا بعنوان «ينبغي إنقاذ أبي مازن»، وما قاله «تكشف أحاديث مع مسؤولي السلطة الكبار عن مشاعر خيبة أمل شديدة وغضب وخوف. وقد اقتبس من كلام أبو مازن نفسه يقول لأحد ضيوفه إن الإسرائيليين استقر رأيهم على «ذبحي». وسواء قال هذا أم لا، فان الكلام يعبر عن شعور قادة السلطة الصعب». أما صحيفة «هآرتس»، فقد كانت افتتاحيتها في ذات اليوم بعنوان «يا نتنياهو أنصت للجيش الإسرائيلي»، ومما قالته الصحيفة: «في قيادة الجيش الإسرائيلي تبلور اقتراح حول خطوات لتقليص الضرر الذي لحق بمكانة السلطة الفلسطينية بسبب نجاح حماس في تحرير أكثر من ألف سجين (عاموس هرئيل وباراك رابيد، «هآرتس»، 24/11). إضافة إلى تحرير سجناء فتح في المرحلة الثانية للصفقة، يميل الجيش إلى التوصية ببوادر طيبة ذات مغزى تسمح للرئيس محمود عباس بأن يعرض إنجازات أمام الجمهور الفلسطيني. ضمن أمور أخرى، بُحث اقتراح بنقل أراض فارغة للسلطة توجد حسب اتفاق أوسلو توجد السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وكذا تسليمها جثث بعض المخربين». ليس الجيش الإسرائيلي وحده من يشعر بالتعاطف مع الرئيس الفلسطيني بعد صفقة شاليط، فهناك أيضا وزير الدفاع باراك، وزعيمة حزب المعارضة الأكبر «كاديما» تسيبي لفني، وآخرون كثر طالبوا خلال الأيام الماضية بإنقاذ الرئيس الفلسطيني من وضعه السيئ بعد إتمام صفقة شاليط. وحده المتطرف ليبرمان من يغرد خارج السرب بهجومه على الرئيس الفلسطيني، لكنه يعكس من جهة أخرى طبيعة المجتمع الإسرائيلي، كما يعكس من جهة أخرى طبيعة الحل السياسي الذي يمكن التوصل إليه مع حكومة مثل هذا وزير خارجيتها. الآن تدخل الرباعية الدولية على الخط لتحقيق هدفين؛ الأول استئناف المفاوضات، والثاني تحسين وضع الرئيس الفلسطيني، لاسيما بعد أن أضيفت إلى قضية الصفقة قصص اللقاءات السرية التي عقدها الرجل أثناء حياة الرئيس الفلسطيني مع شيمون بيريس أيام عمله وزيرا للخارجية مع شارون، وهي القصص التي وردت في مذكرات الأخير التي سينشرها ابنه الأصغر جلعاد، وفيها كان أبو مازن خائفا من تسرب أخبار تلك اللقاءات التي كانت تتم من وراء ظهر الرئيس الفلسطيني، ولعلها كانت جزءا من المعطيات التي شجعت على اغتيال عرفات بعدما تأكد الصهاينة أن بديله جاهز ويشكل مصلحة سياسية وأمنية أفضل للدولة العبرية. والحق أن جزءا من معطيات تأخير الصفقة طوال الوقت في العقل السياسي والأمني الإسرائيلي كان يتعلق بالخوف من تهديدها لمكانة قيادة السلطة التي تعد الاستثمار الأكبر للدولة العبرية منذ اغتيال ياسر عرفات، بل قبل ذلك أيضا، ومعها الخوف من إضعاف خيار التفاوض برمته، فضلا عن تعزيزها لمكانة حماس وخيار المقاومة. اليوم يقترح الأوروبيون بوادر إسرائيلية طيبة بحق السلطة لا تتعلق فقط بجعل الجزء الثاني من صفقة شاليط فرصة لتحرير أسرى من فتح وحدها (550 أسيرا)، بل أيضا إخراج دفعة من المعتقلين خارج الصفقة أيضا، ومن ضمنهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات اللذين لم تتمكن حماس من إخراجهما مع أنها كانت تتمنى ذلك، ومعهم من دون شك رجالها الكبار (إبراهيم حامد، عبد الله البرغوثي، حسن سلامة، عباس السيد وجمال أبو الهيجاء وآخرون). المعضلة بالطبع أن تمرير «البوادر الطيبة» المشار إليها من دون تجميد الاستيطان لن يفيد الرئيس، والسؤال هو كيف ستستأنف المفاوضات في ظل رفض نتنياهو إعلان فترة تجميد جديدة كتلك التي أعلنها قبل عامين، وهنا اقترح الأمريكان تنفيذ السلطات الإسرائيلية لما وصف بأنه «تجميد جزئي وهادئ» يسمح باستئناف المفاوضات بعد الشروع قبل أيام في المحادثات غير المباشرة بين الطرفين التي يديرها مبعوث الرباعية «المحايد جدا» والتاجر المر «توني بلير»!! لا نعرف كيف سترد قيادة السلطة على الاقتراح، ويبدو أنها سترفضه بالصيغة المطروحة، وما يعنينا هنا هو ذلك الفارق بين الإفراج عن الأسرى من خلال التفريط بالقضية التي من أجلها اعتقلوا، وبين الإفراج عنهم مع الإصرار على تلك القضية. أما الجانب الآخر فيتمثل في أن قيادة السلطة ليست في وارد أخذ الدروس من صفقة شاليط، ولا من فشل المفاوضات، إذ تصر على مسار السلطة/ الدولة (الدولة المؤقتة) التي تتمدد تدريجيا حتى حدود الجدار، تاركة الصراع شكلا من أشكال النزاع الحدودي بين دولتين، لاسيما إذا حظيت تلك «المؤقتة» لاحقا باعتراف العالم أجمع بها كدولة!! هم قوم حددوا مسارهم منذ التآمر على ياسر عرفات، وعنوانه «الحياة مفاوضات» وما التنسيق الأمني المحموم واستهداف كل ما يمت للمقاومة بسلطة في الضفة الغربية سوى تأكيد على ذلك لمن شاء الدليل، أما المدافعون عن تلك السلطة بالحق والباطل فلن يتوقفوا عما نذروا أنفسهم له مهما كانت الظروف والمعطيات. مع ذلك، فإننا ندعو الله أن يهدي هؤلاء لأن يعيدوا النظر في مسار «الحياة مفاوضات»، لاسيما أن أحدا على وجه الأرض لا يقتنع بأن نتنياهو سيمنح السلطة عرضا أفضل من عرض كامب ديفيد ضيف العام 2000، وإذا كانوا يرفضون الانتفاضة المسلحة، فليتوافقوا مع إخوانهم على انتفاضة سلمية حقيقية في كل الأرض الفلسطينية تشتبك مع الجنود والحواجز والمستوطنين وتحظى بمباركة الأمة وجماهيرها ويلتحم بها الشتات الفلسطيني من الخارج. أما المصالحة على قاعدة الانتخابات والحفاظ على السلطة واستحقاقاتها فهي تكريس لمسار العبث القائم منذ سنوات
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.