الجو كان حاراً لدرجة أنني فكرتُ بإلغاء مشواري أكثر من مرّة وأنا واقف على الشارع أنتظر أي شيء أصفر يطلّ عليّ من بعيد.. والشيء الأصفر هنا وفي الانتظار يسمّى دائماً (تاكسي)..!! مرّ أكثر من تاكسي.. وأخيراً حنّ عليّ الشوفير ووقف عندي.. رغم أنني شككتُ بسبب وقوفه.. فلم أكن ألبس نظارات ولم أكن ذا شعر طويل ولم أكن (مُغري) المنظر ككل الذين أو اللواتي ركبوا قبلي ولم يقفوا طويلاً مثلي.. فليس لديّ أي ميزات سوى أنني بالتأكيد أملك ثمن الركوب.. وفي الأردن أجرة الركوب في التاكسي ليست الشرط الوحيد لتركب..!! اكتشفتُ مع هذا الشوفير عالماً جديداً في فن السواقة في الشوارع ووسط الأزمة..فالشوفير كان يضع الموبايل على أذنه مرات كثيرة.. وفي المرات التي لم يتكلم فيها كان يفتش عن أسماء داخل موبايله القديم وهو يسوق.. وكان يضع سيجارة في يده الأخرى وهو يسوق.. والأهم من ذلك كله أن السيارة كانت كل نصف دقيقة (تنتـّع) وتطفي فيضع الموبايل جانباً ويخرج المفتاح ويضعه من جديد ويشغّل..!! حدث هذا وسط الأزمة.. أنظر في تفاصيل وجه الشوفير لعلّه يلاحظ الرعب الذي حلّ بي.. لعله يضع الموبايل جانباً.. أو حتى لا يدخّن باليد الأخرى.. لعله يحزن على خيالي الذي شطح بي ورماني بين يديه.. لكنه كان يسب ويشتم الآخرين لأنهم لم يعطوه الأولية دائماً خصوصاً والتاكسي مرة تذهب يميناً ومرّة تذهب شمالاً.. وأنا سأذهب إلى أقرب حمام بعد قليل بالتأكيد وأتأكد من الرطوبة التي حلت عليّ: هل هي عرق الجو الحار.. أم شيء آخر..؟؟!! استفدتُ كثيراً من رحلة (التنتيع) هذه بلا شك..وأهم النتائج التي استخلصتها والفوائد والعبر هي ثلاث لا رابع لها: أولاً: اكتشفتُ بأنني أحفظ عدداً لا بأس به من الآيات القرآنية وقرأتها في سرّي والتنتيع شغّال..!! ثانياً: عرفتُ لماذا رزقني ربّي بأولادي وراء بعضهم دون فترات (ترييح).. لأن (خلفي قد انقطع) برحلة التنتيع العظيمة..!! ثالثاً: وهذا أهم شيء.. اكتشفتُ أن الشوفير ليس بحاجة إلى يدين.. بل هو بحاجة إلى سيارة تسير للأمام فقط.. والباقي على الله..!!.