29.43°القدس
28.66°رام الله
27.75°الخليل
27.9°غزة
29.43° القدس
رام الله28.66°
الخليل27.75°
غزة27.9°
السبت 18 مايو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.23دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.03يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.23
جنيه مصري0.08
يورو4.03
دولار أمريكي3.7

خبر: احذروا الوفود الأجنبية

حدثني صديق يعمل في إحدى الجامعات في غزة أن وفداً أوروبياً زار الجامعة تحت غطاء تقديم المساعدات وطلب الجلوس مع نخبة متميزة من الطلاب والطالبات، وأثناء محاورته لهؤلاء الطلبة كان أعضاء الوفد يركزون على سؤال واحد ويكررونه كثيراً وهو: ما هي الوسائل والآليات التي يمكنكم من خلالها أن تمسكوا بزمام المبادرة وتقودوا التغيير للواقع الذي تعيشونه، وقد لفت نظر صاحبي أنهم كانوا يدونون باهتمام شديد إجابات الطلاب خاصةً حين تتعلق بالوضع السياسي في البلد وكيفية التأثير في التركيبة الحزبية، مع أنهم كانوا يتعمدون إبقاء السؤال عاماً فضفاضاً لإخفاء مرادهم الحقيقي. هذه الحادثة ليست مفردةً بل تتكرر كثيراً في أماكن مختلفة على أيدي وفود تزعم أنها جاءت لمهمات إنسانية أو صحفية، أو من خلال مؤسسات تزعم أنها تهدف لتعزيز الديمقراطية وحقوق المرأة، أو من خلال ابتعاث أوائل الطلبة إلى دول غربية في مخيمات مغلقة مثل بذور السلام وغيره. مثل هذه الوفود وهذه المؤسسات التي تترعرع في بلادنا تدق ناقوس الخطر بأن العالم ليس نائماً من حولنا، وأن الغرب لم يكف عن محاولات التأثير على أبنائنا بما يخدم أهدافه، مما يحتم علينا أن نكون على قدر المسئولية. الغرب يحاول أن يستثمر في تشكيل الإنسان العربي لأنه يدرك أن أفضل وسيلة لحماية مصالحه في المنطقة هي خلق جيل من شباب النخبة يتأثر بثقافته وأفكاره، فإذا قدر لهذا الجيل أن يصل إلى مواقع التأثير في المستقبل كان موالياً للغرب خادماً لمصالحه. إذا تناولنا المسألة في سياق أوسع فإنني أظن أن فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس التي كانت معقل العلمانية الحصين في الوطن العربي قد أعطى إشارات مقلقة للغرب حول طبيعة توجهات الشعوب العربية المعادية للغرب والباحثة عن هويتها التاريخية، فإذا كانت تونس العلمانية قد أوصلت الإسلاميين إلى السلطة، فكيف بالدول الأخرى التي يرتفع فيها منسوب الاعتزاز بالتاريخ والهوية، والتي لم ينلها ما نال تونس من موجات تغريب وعلمنة. ولما كانت موجة الربيع العربي من القوة والتجذر بحيث يصعب الوقوف في وجهها ومعاندتها فإن الغرب اختار طريق الانحناء أمام العاصفة، فسارع بالترحيب بفوز النهضة، على خلاف موقفه من حماس التي فازت بطريقة ديمقراطية أيضاً، لكن هذا الترحيب الإعلامي لا يعني أن الغرب سلم بحقيقة السماح بوصول حكومات معادية له، كل ما في الأمر أن هذه الثورات وما أعقبها من انتخابات قد عززت قناعات الغرب بضرورة اعتماد وسائل أخرى غير وسائل المواجهة المباشرة للتأثير في الساحة العربية، من هذه الوسائل التواصل المباشر مع الجمهور العربي خاصةً فئة الشباب، والدفع باتجاه خلق جيل جديد من الشباب يشق طريقه نحو مواقع التأثير ويكون أقرب إلى المزاج الغربي حتى يمكن احتواؤه وتدجينه. لا أريد أن يفهم من تحذيري من الوفود الأجنبية بأنني أدعو إلى إغلاق الأبواب على أنفسنا، أو أنني أدعو إلى التعامل الأمني مع هذه الوفود فهذه الحلول لم تعد مجديةً في عصر القرية الواحدة عصر الفضائيات والانترنت، والتعامل الأمني يكون ضرورياً في بعض الحالات حين التيقن من خبث أهداف هذه الوفود، لكن الأصل هو المراهنة على وعي شبابنا وحصانتهم الفكرية، فينبغي أن يتنبهوا جيداً إلى ما تطرحه هذه الوفود، وألا تبلغ السذاجة ببعضهم أن يظنوا أن مثل هذه المؤسسات جاءت بدوافع إنسانية محضة وأنها تنفق أموالها سخاءً لوجه الله تعالى، فكل دولار يدفعه الغرب فإنه ينتظر مقابلاً له، والحوار مع مثل هذه الوفود يمكن استغلاله لإرسال رسالة قوة من خلالهم بأننا معتزون بهويتنا، وأننا نرفض التدخل الأجنبي في شئوننا، وأن على الغرب الرسمي أن يتخلى عن عقليته الاستعمارية التي لا ترى في الوطن العربي سوى النفط والمعادن والمصالح الاقتصادية، وأن يقبل بمعادلة عالمية جديدة تقوم على أساس المساواة بين الشعوب وتحقيق تكافؤ الفرص، وتغليب قيم العدالة والإنصاف على أي اعتبارات مصلحية. نحن لا نرفض ما تطرحه هذه الوفود من ضرورة مشاركة الشباب في التأثير في صناعة القرار، وأخذهم زمام المبادرة، بل إن علينا أن نكون سباقين بتشجيع الشباب لأخذ دورهم الحقيقي والتأثير في الشارع، لا أن نجعل دورهم صورياً، حتى لا نترك ثغرة ينفذ من خلالها هؤلاء إلى شئوننا الداخلية، لكن دور الشباب يجب أن يكون نابعاً من حاجاتهم الذاتية الحقيقية، لا أن يكونوا أدوات يسيرها الغرب بما يخدم مصالحه.