المعادلة صارت مقلوبة، فمصر التي كشرت عن أنيابها في مواجهة الغضب الفلسطيني عند معبر رفح، اعتمدت الدبلوماسية الهادئة في التعامل مع النهم الإسرائيلي في القدس. الخبر ليس جديدا. وربما كان الجديد فقط هو التزامن بين اللقطتين في لحظة تاريخية واحدة، الأمر الذى يسلط الضوء على بؤس المفارقة. ذلك أن معركة السلطة المصرية ضد قطاع غزة وحماس خلال الأشهر الثمانية الأخيرة احتلت موقعا متميزا في أجندة السلطة وفي المنابر الإعلامية المعبرة عنها. وفي حين ظل التصعيد والتهديد سمت العلاقة مع القطاع. فإن السكون والتعاون الإيجابي الحذر ظل من أبرز سمات العلاقات المصرية الإسرائيلية. صحيح أن ذلك السكون بل والتعاون الحذر ظل مخيمًا طوال الفترة التي كان فيها الدكتور محمد مرسي على رأس السلطة، إلا أنه كان متسمًا بسوء الظن المتبادل. فضلًا عن أن العلاقات مع حماس والقطاع كانت على النقيض تماما مما هي عليه الآن. وهو الوضع الذي انقلب في الوقت الراهن، فصار سوء الظن من جانب حماس، وتعالت مؤشرات المودة والثقة مع (إسرائيل). على الأقل فذلك ما شهد به السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر تسفي مزال في ورقة صدرت (في 15/1/2014) عن مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة. وقد نشرت صحيفة جيروساليم بوست ملخصًا لها بالإنجليزية. وقد هاجم الرجل فيها بشدة الدول ووسائل الإعلام الغربي التي اعتبرت الوضع الجديد في مصر انقلابًا، في حين دعا الدول الغربية إلى ضرورة تقديم كل صور العون للسلطة القائمة، معتبرا أنها الوحيدة التي تشن حربا لا هوادة فيها على التطرف الإسلامي. في التعبير عن الثقة ذكر النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال موشيه كبلينسكي في حوار بثته القناة العاشرة يوم 14/2 في برنامج «الأسبوع» أن الجيش المصري حليف مهم ل(إسرائيل) ومن مصلحتها الإستراتيجية أن يتم تعزيز قدرته على استعادة الاستقرار والهدوء في البلاد. في الأسبوع الماضي دعا بعض الناشطين في قطاع غزة إلى اعتصام أمام معبر رفح مطالبين بفتحه لقضاء حوائج الناس ومصالحهم بعدما اشتدت معاناتهم جراء الاستمرار فى إغلاقه بمتوسط ثلاثة أسابيع كل شهر. وحين تم تبليغ الرسالة إلى السلطات المصرية وجرى فض الاعتصام يوم الجمعة الماضي (28/2) كان قد مضى على إغلاق المعبر 25 يوما متصلة، في حين وصل عدد الراغبين في السفر ستة آلاف شخص حاولت تحرير المشهد فقيل لي ما يلي: • إن أهل القطاع تعرضوا لهذا النوع من التنكيل في عامي 2006 و2007 (أيام حكم مبارك) حين تولت حركة حماس السلطة في القطاع بعد فوزها بالأغلبية في الانتخابات التشريعية. لكن معاناة الناس خفت بصورة تدريجية بعد ذلك. إلا أن الأمر اختلف بعد تولي الدكتور محمد مرسي للسلطة، حيث أصبح المعبر يفتح يومًا ويغلق يومًا. وهو وضع لم يستمر بعد 30 يونيو 2013، وإنما عادت الأمور إلى ما كانت عليه حين كانت الأزمة في ذروتها في عهد مبارك. • من المفارقات أنه في حين أصبح الإغلاق هو الأصل بعد 30 يونيو، فإن معبر بيت حانون الذي يطلق عليه الإسرائيليون اسم معبر (إيرز)، لم يغلق مع القطاع حتى في أوقات الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية التي تعرض لها أهل غزة. • يعتبر المسئولون عن السلطة في القطاع أنه لا أساس للاتهامات التي وجهت إلى حماس بالضلوع في أعمال ضارة بالأمن المصري. ويدللون على ذلك بأنه لم تثبت في أي تحقيق نزيه تلك التهمة بحق أي عضو في الحركة. رغم سيل التقارير والادعاءات الإعلامية التي لم تكف عن شيطنة حماس طوال الوقت. ومما ذكره أحد أولئك المسئولين أنه من غير المعقول أن توافق حماس على التهدئة مع (إسرائيل) في حين تعمد إلى المساس بأمن مصر بأية صورة. • تقبل قيادات حماس تحقيق الاتهامات التي نسبت إليها بشهادة رجال المخابرات العامة المصريين الذين تعاملوا مع ملف القطاع من البداية. وكانوا الطرف الأساسي في جميع الاتصالات التي أجريت مع السلطات المصرية، علما بأن هؤلاء لم يغيبوا عن أي لقاء تم بين الدكتور محمد مرسي وبين قيادات الحركة. كما أنهم يقبلون بنتائج أي تحقيق تجريه أية جهة مستقلة سواء كانت حقوقية مصرية أو تابعة للجامعة العربية. • في الوقت الراهن تقبل حركة حماس بفكرة منع أعضائها من اجتياز المعبر، وترى أنه ليس هناك ما يبرر معاقبة المرضى وأصحاب المصالح والحوائج من أبناء القطاع، بمنعهم من قضاء مصالحهم خصوصا تلك التي تهدد حياتهم ومصائرهم. ماذا كان الرد المصري على رسالة الاعتصام الذي استمر خمسة أيام؟ ــ الصحف المصرية لخصت الرد في الحديث عن الاستنفار الأمني ورفع درجة الاستعداد القصوى، تحسبا لاحتمال اقتحام المعتصمين للمعبر. في هذا الصدد نقلت جريدة «الشروق» (عدد 1/3/2014) عن مصدر عسكري قوله إن عبدالفتاح السيسي أصدر توجيهاته لقيادة الجيش الثاني الميداني باتخاذ جميع الإجراءات والاستعدادات بمنطقة رفح والتصدي لمن يحاول اقتحام المعبر بكل قوة وحسم. وأضاف المصدر أن جهات سيادية أبلغت قيادات بحركة حماس رسائل تحذيرية شديدة اللهجة بأن من يحاول اقتحام المعبر سيتم التعامل معه بالقوة والحسم، وستحمل حماس المسئولية عن ذلك. في حين كانت مصر ترفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة المعتصمين أمام معبر رفح، كان «الكنيست» يناقش مشروع قانون يدعو إلى بسط السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى. إذ يقضي بإلحاق تبعيته لوزارة الأديان في (إسرائيل) ، بدلا من دائرة الأوقاف الإسلامية بالأردن. (الاعتصام بدأ يوم الأحد 23/2 والمناقشة جرت في الكنيست في اليوم التالي مباشرة ــ الإثنين 24/2ــ، وينص المشروع على «السماح لليهود بدخول المسجد الأقصى من أي باب وفي أي وقت للصلاة فيه»، الأمر الذي يعني فتح الباب على مصراعيه أمام تقسيم مواعيد الصلاة في المسجد بين المسلمين واليهود. إن المسجد الأقصى فضلا عن موقعه المتميز بين مقدسات المسلمين باعتباره أولى القبلتين، يعد رمزا لقضية وثيقة الصلة بالأمن المصري والقومي العربي، فضلا عن كونها مصيرية بالنسبة للشعب الفلسطيني. وفي زمن الكبرياء، حين كانت القضية لها مركزيتها في الوجدان العربي ثارت الأمة ومعها العالم الإسلامي حين أقدم صهيوني متعصب في عام 1969 على محاولة إحراق جناحه الشرقي الأمر الذي أدى إلى احتراق منبر صلاح الدين. ولأجل ذلك عقد أول اجتماع لزعماء العالم الإسلامي في الرباط، وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي الآن). ولكن حين تأهبت (إسرائيل) للسيطرة على المسجد كله وجدنا ذلك التراخي من جانب مصر وغيرها من الدول العربية المركزية، التي بدا واضحًا في مواقفها تراجع أهمية القضية والأقصى معها، بما يعني تراجع النخوة والغيرة حتى عن أمن الأمة ومستقبلها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.