20°القدس
19.8°رام الله
18.86°الخليل
25.3°غزة
20° القدس
رام الله19.8°
الخليل18.86°
غزة25.3°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

خبر: "أبو علاء".. أُنْموذج حضاريٌ لثقافةٍ غائبة

يداوم الحاج "أبو علاء" صباح كل يوم على تنظيف الشارع الذي يطل عليه منزله، يكنسه من الرمال المتناثرة ويجمع الأوراق والأكياس المتطايرة في حاوية صغيرة صنعها بنفسه، ثم يرشه بالماء فيبدو الشارع كما لو كان مرآة تعكس صورة المارة عليه. وفي عصر ذات اليوم يعيد تنظيفه مما علق به من أوساخ الصباح والظهيرة، فلا يصحو ولا يبيت إلا على طهارة المكان الذي اعتاد الجلوس فيه مع أحفاده صباح وعصر كل يوم. لا يمر يوم إلا وترى شارع بيته نظيفاً حتى أنه زينه أكثر بزراعة بعض أشجار الظل، وبات يعتني بها وبالشارع اعتناء الأب بابنه. أبو علاء تجاوز الخمسين من عمره، يعتبر النظافة مسألة حياة أو موت بالنسبة له يقول إنه يشعر بالاختناق: "إذا ما رأى مكان جلوسه غير نظيف". ويعتقد أن " مَن لا يحرص على نظافة المكان الذي يقف فيه، أياً كان هذا المكان، إنما هو قذر في بيته وأن نظافة باب الدار عنوان نظافة داخل الدار". النظافة العامة كانت ولا زالت هم لا يفارقه وشغل شاغل له، هي ثقافة راسخة وطّن نفسه عليها منذ الصغر وشاب عليها في الكبر، بل إنه تجاوز نفسه وورثها إلى أحفاده السبعة ذكوراً وإناثاً. فعندما يداعب حفيده أو حفيدته يقول له: "يلا بكرة تكبر وتساعدني في تنظيف باب الدار". هذه حقيقة وليست نسج خيال أنقلها لكم عبر [color=red]فلسطين الآن.[/color] بدأت أولى محاولاته مع حفيدته ذات الأربع سنوات"بيسان"، إذ علمها التقاط الورق ووضعها في الحاوية وهي تحبو على أطرافها الأربعة، وكبرت الآن وباتت تقود الأحفاد الآخرين في النظافة وجمع "القمامة". ويثني أبو علاء على حملات النظافة العامة التي ينظمها مسجد الحي بين فترة وأخرى، لكن ما يزعجه أنها ساعات وتعود شوارع الحي "متّسخة" إلى سابق عهدها ويلقي باللائمة في ذلك على سكان الحي وصاحب كل بيت ومحل. يقول لو أن: "كل واحد اهتم بنظافة المكان الذي أمامه، لما كان حالنا هذا ولما احتجنا عمال نظافة". أبو علي هو الآخر من "طينة" أبو علاء، يجالسه كثيرا، وأكثر ما يزعجه "البصاق" على الأرض أثناء ذهابه إلى صلاة الفجر، يقول بنبرة غضب: "هذا حال المصلين اللي رايحين صلاة الفجر، مش النظافة من الايمان". [title]عادات سيئة..متى نتغير؟! [/title]وبجولة سريعة منك على المتنزهات العامة التي انتشرت مؤخرا في قطاع غزة تعجب من حجم "القمامة" التي يتركها الزائرون بعد انتهاء جلساتهم فوق "العشب الأخضر" أو أسفل المقاعد الحجرية، يبدو المشهد من الوهلة الأولى كأنه مكب "للقمامة" هذا ما يقوله الحاج أبو علاء، واصفًا ما يشاهده أثناء "طشاته" على دراجته النارية. ومن العادات السيئة أن يوقف أحدهم سيارته وسط الشارع ويفتح بابها الأمامي ويمد يده إلى الشارع، حاملاً منفضة سجائر ليرمي ما فيها من رماد أو يلقي بقايا حلوى وعلكة أو مشروب غازي على الشارع، ثم يغلق الباب وينطلق بسيارته كأنّ شيئا لم يكن، أو كما يفعل بعضهم، يمضغون العلكة ويلقونها من أفواههم على أسفلت الشوارع والأرصفة أو حتى على أرضيات دوائرهم التي يعملون فيها. وقد ترمي إحداهن حفاظة طفلها أو علبة عصير أو حليب فارغة من بيتها أو من السيارة إلى الشارع، ومثلهم كثيرون ممن لا يتوانون حتى عن رمي أوساخهم على جيرانهم دون مراعاة حق الجيرة. وما يثير الغيظ أكثر أن "أولئك المتجاوزين على نظافة الممتلكات العامة يبررون تصرفاتهم تلك بأن البلد كله وسخ أو شوارعه كلها وسخة !! فكيف يكون المواطن نظيفاً ؟! أو بأنّ الكل يرمي النفايات في الشارع، فلماذا لا أفعل أنا مثلهم ؟! وكأننا "يجب أن نخطئ كما يخطئ الآخرون ، ونسلك بالضرورة ما يسلكونه ؟! [title]النظافة عنوان الحضارة [/title]وتعد ثقافة النظافة من أهم الثقافات التي تجسد هوية أمة من الأمم، كما تُعتبر من أهم عناوين الحضارة، فضلاً على أنها تدلل على وعي الأفراد ومدى شعورهم بالمسئولية نحو أمتهم وأوطانهم. لذا نرى أن أكثر شيء يلفت انتباه الزائرين لبعض العواصم العالمية الكبيرة النظافة. ويرى مختصون بأن النظافة لا يمكن فرضها من خلال "فرمانات"؛ لأنها ثقافة يجب أن تسود بين الأفراد ويقتنعون بها، وحينها يسهل تنفيذها على أرض الواقع. ومن هنا كان اهتمام الإسلام بالنظافة إذ جعل منها شعاراً إيمانياً واعتبرها سلوكاً حضارياً يجسد روح المدنية والتحضر، والذي يتأمل ويقرأ تعاليم الإسلام يتأكد بصورة لا تقبل الجدل بأن الإسلام كان سبّاقاً في إشاعة ثقافة النظافة والإلحاح عليها، لدرجة أن أوجد بينها وبين عبادة الصلاة – التي هي عمود الدين – رباطاً قوياً. فجعل طهارة البدن شرطاً لا بد منه لكل صلاة، كما اعتبر من شروط صحة الصلاة أيضاً نظافة الثياب والمكان. لهذا فإن رقي الإنسان ليس بفخامة لباسه أو سيارته أو بيته، بل بنظافته وطهارة بدنه وبيته وساحة مسكنه والطرقات التي يسير فيها..! وحينما تكون النظافة ثقافة للأمة فإن هذا سيسهل من وظيفة الحكومات والبلديات والمؤسسات في تشييد المدن والعواصم النظيفة الجميلة، فمتى تصبح النظافة سلوكاً حضارياً نلتزم به ونحافظ عليه ونعلمه أولادنا؛ ليتوارثوها جيلاً بعد جيل؟!.