منذ الصغر نقشوا في قلوب أهل قطاع غزة حُبَّ مصر وحُبَّ جيشها، صوّروا لهم مصر على أنها "أم الدنيا"، حتى كبروا وقلوبهم تنبض بحبها وحبّ ثراها، وألسنتهم تصدح بنشيدها الوطني الذي حفظوه قبل أن يحفظوا نشيدهم، كانوا يفرحون لفرح أهلها ويحزنون إن أصاب مصر مكروه أو ضرر، هذا ما كان في سابق الأيام، قبل أن يصحو أهل غزة من غفلتهم على حقيقة الواقع المرّ الأليم الذي فاق أسوء كوابيسهم. فعلى مدار عقود مضت لم يكن أهالي قطاع غزة يتخيلون –حتى في أبأس خيالاتهم- أن يأتي زمانٌ تخنق "أمُّ الدنيا" أطفالهم وتتركهم فريسة الموت البطيء الأليم، بعد أن أغلقت في وجههم المنفذ الوحيد الذي ينقلهم إلى العالم الخارجي. [title]جريمة متواصلة[/title] حصار مصر لقطاع غزة ليس أمراً مستحدثاً، فمنذ منتصف عام 2007 أعلنت السلطات المصرية إغلاق معبر رفح مع قطاع غزة لتكون بذلك قد أكملت كافة أضلاع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة عقب فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006. أكثر من 380 فلسطينياً استشهدوا جراء نقص الأدوية والمنع من السفر بفعل الحصار المفروض على قطاع غزة حتى نهاية شهر فبراير عام 2011، وفق إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية. وبعد الثورة المصرية المجيدة في 25 يناير، ظنّ الغزيّون أن مرحلة الحصار كانت مرحلة عابرة مضت إلى غير رجعة، فقد فتح معبر رفح بصورة جزئية خففت كثيراً من معاناة المحاصرين لأكثر من 4 أعوام متتالية، وشعر الفلسطينيون أن "أمهم" عادت لتحتضنهم من جديد، حتى جاءت تلك اللحظة التي انقلب فيها الجيش المصري على الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو عام 2013، فعاد كلُّ شيء إلى سابق عهده، وأقفل منفذ الحياة لأهالي قطاع غزة من جديد. [title]فتح السجلات[/title] بقبضة من حديد شدّد الجيش المصري سيطرته على الحدود مع قطاع غزة، ودمّر عدداً كبيراً جداً من الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون لإدخال الغذاء والدواء خلال فترة الحصار المفروض عليهم، وأغلق معبر رفح أسابيع وشهور طويلة، تخلّلها فتحه لأيام محدودة لسفر فئات محددة من أهالي قطاع غزة، مع إرجاع العشرات من المسافرين دون إبداء أسباب. ومع بداية عام 2014، اضطر أهالي قطاع غزة لأن يعيدوا فتح سجل "شهداء الحصار" من جديد، ليضيفوا أسماء جديدة إلى القائمة الطويلة السابقة التي فاقت 380 شهيداً، كان آخرها الطفل الرضيع "أحمد أبو نحل" الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة شهور، والذي حرم من السفر للعلاج بالخارج. واليوم مع مضي 49 يوماً متتالياً على إغلاق معبر رفح البريّ مع قطاع غزة، هناك 1200 مريض من قطاع غزة بحاجة للسفر إلى الخارج لإجراء عمليات عاجلة لأمرض السرطان والقلب والكلى والكبد، وفي أي لحظة قد تضاف أسماؤهم إلى سجل "شهداء الحصار" في حال واصلت مصر إغلاق المنفذ الوحيد لأهالي غزة إلى العالم الخارجي.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.