وقع المأساة تبدأ مع الأسير الفلسطيني منذ لحظة اعتقاله. رحلة طالت أم قصرت تحوي أحداثا أليمة ومواقف صعبة لا يستطيع الكثيرون تحملها. وجع هذه الرحلة لا يقع على كاهل الأسير وحده، فأسرته الكبيرة والصغيرة تقاسمه إياه. جميعهم يشعرون بألم الغياب معنويا، ومن ثم يشاركونه المعاناة على حقيقتها عندما يسمح لهم بزيارته. الحديث عن مأساة الزيارة لا يمكن وصفه. فعلى الزائر (الزوجة أم الأم غالبا) الخروج قبل الفجر، والخضوع لإجراءات طويلة من طرف الصليب الأحمر والتأكد من كل الأوراق والتصاريح الممنوحة من الاحتلال، ومعاينة الحاجيات اللازمة للأسير.. ومن ثم يتحرك الباص حاملا معه خمسين راكبا مع همومهم وأوجاعهم.. قاطعين مسافات طويلة، يجبرون خلالها على التوقف مرات عديدة على حواجز الاحتلال الإسرائيلي خاصة تلك الفاصلة بين حدود عامي 67 و48.. يخضعون لتفتيشات مذلة ومهينة.. ويجبرون في بعض الأحيان على التعري التام بحجة أن جهاز الفحص أصدر رنينا خلال المرور عبره. لم تنته الطريق ولا المعاناة، على بوابة السجن تعاد الكرة، وقد يرفض الاحتلال السماح لأحد الأقارب من الدرجة الاولى من الزيارة بحجة قد لا تخطر على بشر، كـ"عدم صلة القرابة" ولو كانت أمه أو زوجته، أو المنع الأمني ولو كان الأب يبلغ من العمر عتيا. لكن ما يخفف عن ذلك كله شوق اللقاء بالمغيب قسرا عنهم، ومن أجل لقاء من وراء جدار زجاجي سميك لمدة لا يمكن لها أن تزيد عن 45 دقيقة فقط. [title]رحلة الموت[/title] وفي كل زيارة، تمارس "إسرائيل" تمردها ضد الأهالي، في محاولة منها للضغط عليهم وعلى أبنائهم. إحدى أهم المشاكل أثناء توجههم لزيارة السجون، هي الاكتظاظ والازدحام على الطريق، والوقوف والانتظار على الحواجز العسكرية. معبر الطيبة مثلا يحتوي ثلاثة مداخل، إلا أن جنود الاحتلال يغلقون اثنين منها ويبقون على واحد يسمح بمرور العمال -الذين يعملون في "إسرائيل" وعددهم يقدر بالآلاف- وأهالي الأسرى، ما يضطر الأهالي للوقوف ساعات حتى يسمح لهم باجتيازه. والدة الأسير عبد الرحمن اشتية، من نابلس، تعاني من آلام في أرجلها، تقول لـ[color=red]"فلسطين الآن"[/color] إنها تنتظر ساعات واقفة على معبر الطيبة، ولا يوجد أدنى مراعاة لوضعها الصحي. وتضيف "ابني في سجن "شطة"، ومكان الزيارة سيئ للغاية، فلا مكان للانتظار، ما يضطرنا للجلوس على الأرض، كما أن هناك غرفة بداخلها حمام، وتحتوي على بعض المكعبات الاسمنتية للجلوس عليها، لكنها غير مريحة أبداً". مشكلة أخرى، وهي عدم وجود مرافق عامة، من حمامات التي وإن وجدت فإنها متعفنة، كما لا يوجد مرافق للشرب هناك، والأهالي يحضرون أكلهم ومشربهم معهم، حتى لا يضطروا للطلب من الجنود. كما يعاني أهالي الأسرى من مشكلة الانتظار طويلاً لحين الدخول لرؤية أبنائهم، فجنود الاحتلال يجمعون الأهالي في كل سجن، الذين يجاوز عددهم في غالب المرات مئة شخص في الساحة الخارجية، ويدخلونهم على شكل مجموعات، بعد أخذ تصاريح الزيارة منهم، ومن الأهالي من يزور وينهي زيارته مبكراً، ومنهم من تتأخر زيارته فيبقى للمساء ويغادر السجن ليصل بيته في منتصف الليل. [title]التفتيش العاري[/title] أما الأمر الأكثر إزعاجاً وإهانة، هو التفتيش والدخول في غرف خاصة، لا سيما النساء اللواتي يشتكين من التفيش المهين والمذل عند كل زيارة، والحجز فترات طويلة، والفحص يجري في غرف تحتوي على الأشعة المضرة. فأم بكر بلال السبعينية، وهي والدة الأسيرين القساميين معاذ وعثمان بلال من مدينة نابلس، لها تجربة مريرة مع الزيارات تمتد لنحو عشرين عاما. تؤكد لـ[color=red]"فلسطين الآن"[/color] أن "التفتيش الذي يقوم به جنود الاحتلال مهين للغاية، ولا يراعون فيه كبيرا أو صغيرا، فالكل سيدخل غرفة التفتيش وسيخضع للآلة التي تكشف ما يحمل". وتضيف "الأمهات والزوجات بالغالب يرفضن التعري حتى لو تطلب الأمر المنع من الزيارة.. الاحتلال يكسر كل القوانين ولا يحترم أي قانون إذا كان لا يخدم مصلحته، وهذا تعد على شرف الإنسان وكرامته". [title]تمزيق التصريح[/title] وتتابع "من المشاكل التي تتكرر مراراً، تمزيق الجنود لتصريح الزيارة بحجج واهية وإرجاع الزائر، إما عن الحاجز، وإما بعد أن يصل السجن، ويجتاز مسافة طويلة، ما ينعكس سلباً على من جاء لرؤية ابنه أو ابنته، أو لأطفال يريدون رؤية والدهم بعد غياب". وتضيف "ما إن يحين موعد اللقاء ويخفق القلب فرحاً برؤية الأحباب، حتى يصطدم الأهالي بعقبات أخرى، حتى في الـ 45 دقيقة التي يحادثون فيها أبناءهم من وراء الزجاج المدعم بالقيود الحديدية، حيث يتأخر الجنود في إحضار الأسرى لغرفة الزيارة، ما يهدر الوقت، كما يتلاعبون بالهاتف الذي يتحدث الأسير فيه مع ذويه، فيحدثون إما تشويشاً وإما خفضاً للصوت، فيتعذر سماع الاثنين لبعضهما البعض، في محاولة لإثارة غضب الأسير وبالتالي حرمانه من الزيارة.. هذا عدا عن التنصت، بوجود فريق مختص من جنود الاحتلال يقوم بمراقبة الخطوط والمكالمات ومعرفة عما يدور الحديث بين الأسير وذويه". [title]عقوبة جماعية..[/title] لم يكتف جيش الاحتلال في المماطلة والسياسات القهرية عند الزيارة ، بل وصلت معهم لمنع الزيارة خاصة بعد الوصول لبوابات السجن، فالعقاب لا يكون على المستوى الفردي بل يطال كافة الأسرى المقرر زيارتهم.. وهذا من أجل الضغط على الأهالي. ويؤكد مدير مركز حريات حلمي الأعرج أن هذا انتهاك وتضييق على حياة الأسرى الخاصة، فمنع الزيارة عقوبة جماعية كانت أو فردية هو مضايقة لأهالي الاسرى من جهة، وازعاج للأسرى وضغط عليهم من جهة أخرى. إذا كان هذا يحصل للأهالي الذي يأتون لساعات ثم يغادرون، فكيف الحال بالأسرى أنفسهم؟؟.. فالاحتلال يعتدي عليهم بشتى السبل والوسائل ضاربا بعرض الحائط كافة الأعراف والمواثيق الدولية. فقد أكدت الدراسات أن جميع المعتقلين الفلسطينيين بلا استثناء تعرضوا لأشكال متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.