الذي استمع لرئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس في خطابه الأخير وهو يتحدث عن المصالحة ويؤكد ضرورة الحوار مع حركة حماس ويعلن تحديد موعد للقاء رئيس المكتب السياسي للحركة السيد خالد مشعل، يعلم أن الكثير من العقد الداخلية في طريقها للحل، وأننا أمام فرصة ذهبية لتحقيق خطوة متقدمة نحو إنهاء الانقسام وبناء نظام فلسطيني يقوم على الشراكة بين القطبين الفلسطينيين فتح وحماس. كما يلاحظ من تتبع التصريحات السياسية والروح الوحدوية من كلا الطرفين وجود توافق كبير في مختلف القضايا العالقة بين حماس وفتح، فالمراقب يلمح أن الحالة الفلسطينية نضجت لاستقبال توافق حقيقي ومصالحة قادرة على تجاوز خلافات الماضي، والمعضلة تكمن في التفاصيل الدقيقة على الأرض من إجراءات يومية خلفتها عقلية الانقسام والإقصاء طول السنوات الماضية، فلا ننكر أن الانقسام أنتج واقعا معقدا في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدى لوجود حالة من القلق والتشكيك من إمكانية تنفيذ اتفاق القمة بين الرئيسين، هذا القلق تولد بعد سلسلة إخفاقات سابقة في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه عقب لقاءات وتفاهمات جرت بين رموز الحركتين في القاهرة. فالتعامل الأمني القاسي مع المعارضين ما زال يخيم بظلاله الثقيلة، والعديد من أبناء غزة محرومون من حقهم الطبيعي في امتلاك جوازات سفر، ومازالت رواتب آلاف من الموظفين مقطوعة من قبل حكومة فياض بدون أي شفقة أو رحمة لحالهم البائس جراء تقارير كيدية، علما أن استمرار هذه التفاصيل اليومية وغيرها تقلل من التفاؤل وتعزز حالة ألا مبالاة لدى قطاع عريض من المجتمع الفلسطيني. التخوف الأكبر على أي اتفاق يكمن من الفئة المستفيدة من حالة الانقسام، التي ستعمل بكل جدها واجتهادها على استمراره بطريقة أو بأخرى وستقاوم أي اتفاق يهدد وجودها، خصوصا أن قوتها تعززت كنتيجة للانقسام، وللأسف علينا الاعتراف أنهم قادرون على عرقلة تطبيق أي اتفاق عبر استمرار الاعتداء على المعارضين واستدعائهم واحتجازهم، والتنسيق مع الاحتلال وحجز جوازات السفر وبعض التصريحات الإعلامية المستفزة، لهذا أتمنى من لقاء القمة معالجة الاستراتيجيات والتركيز عليها قبل الغوص في التفاصيل والإجراءات التكتيكية البسيطة حيث العقد والعقبات. فالمأمول من قرارات القمة القفز عن بعض المعرقلات الكامنة في التفاصيل اليومية، والاهتمام بشكل مباشر بالعناوين الرئيسية كإصلاح منظمة التحرير، اتخاذ قرار فوري بإشراك حركة حماس بقيادة المنظمة لحين ترتيبها وإصلاحها وعدم التسويف في ذلك، فلا يستساغ أن تبقى الحركة صاحبة الأغلبية خارج المنظمة، و بعيدة عن القرار الفلسطيني خصوصا في هذا التوقيت الحساس من عمر القضية، ووسط التغيرات الإقليمية المتسارعة، ومع اندفاع المشاريع الفلسطينية نحو نيل اعتراف دولي بين الأمم والشعوب، مثل هذه القرار سيعتبر نجاحا للقمة وقفزة فلسطينية نحو نظام قادر على مواجهة التحديات، وسيقطع على المتربصين وأصحاب الأجندة المرتبطة بالاحتلال الطريق. من جهة أخرى فإن لقاء القمة الفلسطيني في القاهرة يعتبر في حد ذاته تحدياً صريحا للإرادة الأمريكية والإسرائيلية من قبل السيد عباس وكسر لفيتو أوباما المفروض على المصالحة، وتجاهلا لابتزاز المال الأمريكي والإسرائيلي، واطمأن السيد عباس أن الولايات المتحدة لم تعد تملك جميع خيوط اللعبة في القضية الفلسطينية، وقد بدأت قوتها في الانحسار ويمكن تحدي قراراتها، والركون لوحدة الشعب الضمان الوحيد لتحقيق الأهداف الفلسطينية. نأمل من لقاء القمة أن يؤسس لمرحلة فلسطينية جديدة، فيها استراتيجية واضحة لمستقبل العمل الوطني، تعتمد على حرمة الدم الفلسطيني وتنهي سياسات الإقصاء والتفرد، وتعزز بناء مؤسسات مهنية ووطنية شاملة، وتعالج مجمل الاستراتيجيات وفق منهجية توافقية تجمع المجهود الجمعي لخدمة مشروع التحرر. فما زلنا شعبا محتلا مهجرا مشتتا أصحاب قضية عادلة، وأي مؤسسات وبرامج لا تقوم على مقاومة الاحتلال والتخلص منه لن يكتب لها النجاح، وستظل تدور في حلقة مفرغة، وهذا لا يعني أن الركون لشكل واحد من أشكال المقاومة ، فالحالة الفلسطينية أفرزت مقاومة ناضجة رشيدة عاقلة مسيسة، لا تحمل بذور الفوضى والعفوية. إننا اليوم أمام فرصة كبيرة لإعادة النظر بشكل جدي حول إمكانية التخلص تدريجيا من الاتفاقات السابقة والالتزامات التي تثقل كاهل شعبنا وتقيد حركته في البحث عن الحرية، والتخلص من كارثة التنسيق الأمني التي أنهكت المقاومة في الضفة وأضعفت المجتمع الفلسطيني أمام غول المستوطنين وعمليات تهويد الضفة والمدينة المقدسة، لنخرج بقوة أكبر لمواجهة التحديات الإسرائيلية والدولية حتى تحقيق مصيرنا في بناء دولة فلسطينية مستقلة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.