23.34°القدس
23.1°رام الله
22.19°الخليل
27.46°غزة
23.34° القدس
رام الله23.1°
الخليل22.19°
غزة27.46°
الأربعاء 02 يوليو 2025
4.64جنيه إسترليني
4.77دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.98يورو
3.38دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.64
دينار أردني4.77
جنيه مصري0.07
يورو3.98
دولار أمريكي3.38

خبر: الإعلام ونَوْباته الموسمية

تعود الآن تلك النّوبات الموسمية التي عانى منها الإعلام العربي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما كان منشطراً إلى تقدميين ورجعيين، رغم أن مثل هذه المصطلحات نادراً ما حملت من المضامين الجدية والدلالات ما يكفي لتبنيها والأركان إليها . وكانت الموجة الثانية الأشد صخباً لهذه النوبات هي حروب الخليج الثلاث، لكن ما إن هجعت قليلاً وهو هجوع النّمر في الغابة، كما يقال، حتى اندلعت مجدداً في موجة ثالثة . فالزوايا الآن حادة وما من سبيل إلى تدويرها أو انفراجها، ما دام هناك خطابان متناقضان تماماً، فالتّخوين متبادل على نطاق واسع وكذلك احتكار الحقائق والصواب . ومن راهنوا على أن مدرسة الإعلام السّتيني قد أغلقت أبوابها وأبواقها يفاجأون الآن بتحولها إلى أكاديمية كبرى، فلم يحدث في تلك الفترة الحرجة أن شهر مذيع أو مذيعة مسدساً على الشاشة، ولم يحدث أيضاً أن تراشق متحاوران عبر الشاشة بالشتائم والأيدي وأخيراً الأحذية . إنها إذن نوبة من طراز آخر يليق بما تطورت إليه “الميديا” وأدواتها، لكن التطور عندما يكون شكلياً فقط لا يطال المحتوى والجوهر قد يكون أسوأ من التراجع، لأن تطوير أدوات التعذيب في السجون لا يعني أن هناك تقدماً في العدالة بل العكس . وما من مرة يرتطم كوز عربي بجرة، حتى تأتي تلك النّوبات بكامل موروثها وحمولتها الجاهلية، لكأن الواقع انشطر كبيضة أفلاطون الشهيرة إلى ملائكة وشياطين وأبطال وخونة، رغم أن المكوث في هذه الثنائيات الساكنة وغير المتجادلة هو بمثابة التحجر عند لحظة ما، وصدق من قال إن الحوار إذا أضيفت إليه نقطة دم واحدة يصبح خِوار ثيران، ويبدو أن هناك منظومة معلّبة وجاهزة من الأفكار لم تفقد صلاحيتها بعد، لأن العوامل التي تعيد إنتاجها وبالتالي تمدد من صلاحيتها لاتزال قائمة . ورغم أن الأداة الوحيدة في تلك الأيام، إضافة إلى الصحف، كانت المذياع الخشبي، إلا أن هذا الصندوق تحول إلى صندوق عجب، ومنه سمعنا في صبانا ما لم يقله شعراء النقائض جرير وفرزدق والأخطل، ومنه أيضاً سمعنا البيانات العسكرية الأولى الواعدة بتحرير الإنسان والتراب، لكن سرعان ما تحول هذا الصندوق الخشبي الناطق إلى ما يشبه “صندوق باندورا” مملوء بالشرور حسب الأسطورة الإغريقية . الآن، ثمة آلاف الصحف المقيمة والمهاجرة وآلاف أخرى من الفضائيات، بحيث لم يعد لذلك الصندوق مكان إلا في المتاحف ولدى تجار التّحف، لكن النّوبات لم تتغير لأنها ليست على علاقة بالتكنولوجيا، بل علاقتها حميمة وعضوية بالسايكولوجيا وكأن من شبّ على شيء شاب عليه أو أن الطبع يغلب التطبع حسب الرؤية الخلدونية المبكرة . وإذا كان لدى شعوب العالم أمثال متوارثة عن غلبة الطبع على التطبع . كالمثل الفرنسي القائل “اقشر الرّخام يظهر لك السّخام” أو المثل الروسي القائل “حك جلد الروسي يظهر لك السلافي”، فإن العرب لخصوا الأمر بعودة حليمة إلى عاداتها القديمة، وهذه النّوبة المحمومة التي نشهدها الآن هي عودة غير حميدة لما توهمنا أننا تخطيناه .