18.57°القدس
18.34°رام الله
17.19°الخليل
23.24°غزة
18.57° القدس
رام الله18.34°
الخليل17.19°
غزة23.24°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: الفلسطيني المفترى عليه (1- 4)

نقل لي أحد الفلسطينيين مؤخراً، ما دار بينه وبين أحد المواطنين المصريين، حين فطن المصري الى أن لهجة الفلسطيني مختلفة، وكعادة المصريين في احتفائهم بالغريب أو الضيف، أحب أن يتعرف عليه، فلما عرف أنه فلسطيني أشاح بوجهه متبرماً! هوَّنت عليه، ونقلت له طرفة حصلت مع ابن أخي إيهاب، وهو خفيف الظل عاش في مصر طويلاً، وكلامه كأبي عمار باللهجة المصرية، لا يخطئها، أوقفه رجل أمن، وحينما سأله عن جنسيته، تمعر وجه الضابط لفلسطينيته، قال له إيهاب: "شايف قلة الأدب، أنا فلسطيني مش كده"! هذا حال الفلسطينيين في مصر، مشكلة في العمل؛ مشكلة في تعليم أولادهم، مشكلة في تدبير سبُل عيشهم، وأخيراً مشكلة في تحركاتهم في الشارع، مشاكل تتكرر مع كل اختلاف أو تغيير في السياسة. حدث مثل ذلك، وإن اختلفت العناوين، في 1948 مع المهاجرين لمصر، عبر البحر. وكما هو معروف، هناك آلاف من الفلسطينيين ركبوا البحر، مهاجرين الى لبنان ومصر، ووضعوا جميعاً في حجْر صحي يسمى "المزاريطة"، وكان محافظ بور سعيد، آنذاك فؤاد شيرين بك، وتم إخراجهم من الحجر الصحي، على ثلاثة أقسام، قسم يقدر بـ4 آلاف رُحِّلَ إلى قطاع غزة، وتحديداً إلى مخيم المغازي، وقسم يقدر بـ3 آلاف، تم تسفيرهم إما إلى الأردن أو إلى لبنان، بواسطة جامعة الدول العربية، تحت عنوان "جمع شمل العائلات"، والباقي يقدر بسبعة آلاف كانوا ميسوري الحال، أثبتوا امتلاك كل منهم 10 آلاف جنيه فلسطيني (مرادف للاسترليني)، حسب قرار رئيس الوزراء، آنذاك النقراشي باشا، وسارع في نفس الوقت، ومنعهم بقرار وزاري، من العمل حتى بدون أجر! حصل ذلك بعد عدوان 67 المشؤوم وعادت قصة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم. حصل ذلك، عند حرب رمضان المجيدة في أكتوبر1973 وبعد ثغرة الدفرسوار، حيث اتُهم الفلسطينيون بأنهم هم من تسبب في إحداث الثغرة، لأن "كتيبة عين جالوت" كانت تقيم معسكرها على القناة، في منطقة فايد، وعلى الرغم من أسلحتهم الخفيفة، وبعدهم عن الثغرة، فإن الإشاعة انتشرت كالنار في الهشيم، وسببت ضرراً للفلسطينيين في مصر، أيما ضرر. وحصل قبل ذلك، مع رفض مبادرة روجرز 1970، حيث تم ترحيل المئات إلى العراق وسوريا، بشخوصهم وبدون أي متاع، أو أغراض أو حتى أوراق ثبوتية، أو شهادات علمية. وتكرر ذلك عند اتفاقية كامب ديفيد والاعتداء على كل ما هو فلسطيني وإغلاق مكتبي "اتحاد الطلبة" و"اتحاد الكتاب الصحافيين الفلسطينيين"، واعتقال الكثير منهم، الى غير ذلك. وحصل ذلك عند استشهاد الأديب يوسف السباعي (رحمه الله)، حيث تم الهجوم والإيذاء للفلسطينيين، وكان الشعار الأبرز "لا فلسطين بعد اليوم"! ونال الفلسطينيون من الضرب والشتم في المدارس والشوارع ووسائل المواصلات الكثير. هذا جندي فلسطيني يُلقى من مترو المطرية، وبنات بالإعدادية والثانوية يضربن أمام زميلاتهن، ومنهن ابنة المسؤول الفلسطيني، صلاح خلف)أبو إياد) حيث كانت عائلته تقيم في القاهرة، وانتقلوا منها إثر ذلك. وتم سحب كل الامتيازات من الفلسطينيين، وما خفي كان أعظم. قد يكون هذا حال الفلسطيني في أكثر من قطر عربي ولأسباب متنوعة، أغلبها سياسية، لا ذنب للفلسطيني بها، فهم في بلاد اللجوء والبعد عن الوطن، قسرياً، تصرفاتهم تكون في غاية الحساسية، لأن الخيارات التي أمامهم، البقاء أو الهجرة، وهي ليست سهلة، ذلك أن وطنهم تحت الاحتلال، ولذلك يبحثون في كل اتجاه، عن حل لهذه المشكلة، البعض وجدها في أمريكا وكندا، والبعض الآخر في أوروبا واستراليا، لكن يبقى هؤلاء استثناءً من رحلة التعامل مع الواقع المعاش في بلاد العرب العزيزة. ولا يمكن تبرئة بعض الفلسطينيين من فعل حماقة هنا أو هناك، أو ارتكاب جناية، ولكن أن يتحمل كل الفلسطينيين تبعات هذه الأعمال هو الأمر المستغرب. يحدث هذا للفلسطينيين، على الرغم من أنهم هم من نقلوا العلم والمعرفة والتعليم لمعظم بلاد الاغتراب، ومعظم رجالات الخليج ولبنان والأردن وسوريا يعترفون بذلك. سأكتفي هنا باقتباس ما كتبه رئيس تحرير جريدة "السفير" البيروتية حول فعل الفلسطينيين في لبنان، في مقدمة مقاله الرائع، "الفلسطينيون جوهرة الشرق الاوسط" حيث قال: "لا يتخيل الكثير منكم حجم الدور الذي لعبه ومازال الفلسطينيون يلعبونه حتى اليوم في اقتصاد لبنان، وإن كان ذلك عليه تعتيم شديد، فالفلسطيني في لبنان إن كان مخطئا فهي فضيحة وعليها شهود وإن كان منجزا فتكتم على الأمر ولا تعلنه". وتحدث في مقاله عن كيفية مساهمة الفلسطينيين، في بناء وتطوير لبنان، وكيف أنهم أطلقوا فورة اقتصادية شديدة الإيجابية، في العمران وفي تطوير السهول الساحلية اللبنانية، وكيف أن الرأسمال النقدي الفلسطيني أشاع حالة من الانتعاش الاستثماري الواسع في لبنان. (انظر المقال كاملاً، في "السفير" البيروتية، 7-8-2008). الفلسطينيون في منتهى الحساسية، في ما يتعلق بحقهم وكرامتهم وتعليم أبنائهم، فمن الممكن أن يختلفوا مع سياسات بعينها، أو يرفضوها، ولكنهم، قطعاً، لم يكونوا، ولو للحظة واحدة، سلبيين اتجاه البلد الذي يعيشون فيه، أو ناكرين لأي جميل أُسدي لهم . لقد عارض أهلنا في قطاع غزة الرئيس جمال عبد الناصر(رحمه الله)، في أكثر من موقف، وخرجت هذه المظاهرات، ولكنه استجاب لهم، وفتح لهم الجامعات، ووظف خريجيهم من أبناء القطاع، وأوقف المشروعات التي يرفضونها، وأنشأ الكتائب الفدائية مبكراً (كتائب مصطفى حافظ)، وفتح لهم الكليات العسكرية، ونظم قواهم، وجمع كلمتهم على م.ت.ف، وفلسطين لم تغب عن مخيلته، لحظة واحدة، ولذلك حفظ له الفلسطينيون ذلك، فأصبح معشوقهم، بلا منازع، على اختلاف توجهاتهم، أو انتماءاتهم، وأصبح قطاع غزة رمزاً للوطنية، ومنبعاً للجهاد والمقاومة، ورصيداً لكل حركات التحرر، وكان عصياً على الصهاينة، يصعب بلعه، وإن حصل، لم يستطيعوا هضمه. [color=red]يتبع...[/color]