25.24°القدس
24.96°رام الله
23.86°الخليل
24.47°غزة
25.24° القدس
رام الله24.96°
الخليل23.86°
غزة24.47°
السبت 18 مايو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.23دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.03يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.23
جنيه مصري0.08
يورو4.03
دولار أمريكي3.7

خبر: حق الدم

ما يحدث في مصر الآن غير قابل للتصديق، حتى أزعم أنه أقرب إلى اللامعقول منه إلى المبرر أو المعقول. ففي أي بلد محترم ــ أو يزعم أنه كذلك ــ لا يتصور أحد أن يخرج الناس للتظاهر أو الاعتصام السلمي، فيقتل منهم نحو ثلاثين شخصا ويشوه أو يصاب عدة مئات. إننا نرى المتظاهرين في الدول الديمقراطية وهم يضحكون حين تحملهم الشرطة أثناء فض المظاهرات، في حين رأينا الشرطة في ميدان التحرير وهي تجر جثة أحد المتظاهرين وتلقي بها إلى جوار القمامة. وفي كل بلاد الدنيا المحترمة يخرج المتظاهرون وهم مطمئنون إلى أنهم سيعودون إلى بيوتهم آخر النهار. أما عندنا فقد وجدنا بعض الشباب وقد كتبوا قبل خروجهم أرقام هواتف أهاليهم على أذرعهم، لكي يستطيعوا التعرف عليهم في مشرحة زينهم (التي تحول إليها الجثث) أو في المستشفيات. كأن الاشتراك في مظاهرة سلمية أصبح من قبيل الإقدام على عملية استشهادية أو انتحارية، حتى لم يبق أن يكتب هؤلاء وصاياهم قبل مغادرة بيوتهم والالتحاق بالمظاهرة. إذا تململت في مقعدك وقلت إنني أفسدت ملاحظتي حين أشرت إلى الدول «المحترمة»، وكنت واحدا ممن باتوا يشكون في أننا كذلك، فربما كان معك بعض الحق. لكن لدي اعتبار آخر يقوي من حجتي، ذلك أننا إذا استبعدنا مسألة الدولة المحترمة التي لا ينبغي أن تلجأ إلى ذلك القمع، فإنه يظل من غير المعقول أيضا أن يحدث ذلك في ظل ثورة انتفض فيها الشعب دفاعا عن كرامته، ثم بعد تسعة أشهر يفاجأ الشعب بأن السلطة الجديدة عادت لتدوس على كرامته مرة أخرى. صحيح أننا سمعنا وقرأنا عن ثورات أكلت أبناءها، وكان المقصود بذلك أن الثوار بعد نجاحهم كثيرا ما يلجأون إلى تصفية بعضهم البعض، أثناء صراعهم حول المغانم، لكننا لم نسمع عن ثورة قتلت شعبها إلا في ظل ثورتنا المجيدة. حين يحدث ذلك القتل بحق الشعب المسالم، وحين يثبت أن القتلة قصدوا إصابة ضحاياهم في أعينهم، وحين يتبين أن رجال الأمن يستخدمون قنابل مسيلة للدموع ذات مواصفات خطرة تصيب المتظاهرين بالاختناق وربما أدت إلى موت بعضهم ــ فإنه يصبح من غير المعقول أن يبقى وزير الداخلية في منصبه نهارا واحدا بعد ذلك. وتصبح مهزلة أن تستمر الحكومة في موقعها وكأن شيئا لم يكن. ولا يكفي في ذلك أن تستقيل الحكومة. ذلك أنه بكل المعايير فإن كل المسؤولين ذوي الصلة بالموضوع يصبحون مدانين ومتهمين، من الناحيتين الجنائية والسياسية. وتصبح تنحيتهم أمرا مفروغا منه. شريطة ألا تكون التنحية إعفاء لهم من المسؤولية فحسب، وإنما أيضا تمهيدا لمساءلتهم ومحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب، بعلمهم أو بغير علمهم ولكن بأيدي رجالهم، وهو ما يعد ضرورة وطنية لا ينبغي التسويف فيها. في كل بلاد الدنيا فإن الثورة ضد أي نظام تنتهي باقتلاعه وإقصاء أركانه عند الحد الأدنى، إلا أن ثورتنا المجيدة قام بها الشعب ضد نظام مبارك، ثم سلمها إلى مؤسسات ذلك النظام، وكانت النتيجة أن الثوار أصبحوا يساقون إلى المحاكم العسكرية في حين أن مبارك ورجاله باتوا يتدللون أمام المحاكم المدنية. لقد غضبت جماهير الشعب المصري حين أدركت أن شبابها يقتلون على أيدي رجال الأمن، فوزعت شرارات الغضب على كافة أنحاء مصر بعد الذي جرى يوم السبت الماضي، حين انقضت قوات الأمن المركزي على عشرات المعتصمين في ميدان التحرير من أهالي الشهداء وغيرهم من المصابين في مظاهرات إسقاط نظام مبارك، وفي نهاية أسبوع من المظاهرات العارمة والاشتباكات العنيفة مع قوات الشرطة والجيش. وهي الاشتباكات التي ظل القتلى والجرحى يتساقطون فيها كل يوم. قيل لنا إن المشير طنطاوي سيلقي أخيرا كلمة انتظرناها منه، تهدئ الثائرين وتطفئ نار الحريق المشتعل. لكننا فوجئنا بأن المشير عبر فقط عن الأسف لما جرى دون أي اعتذار أو إشارة أن محاسبة المسؤولين عن جرائم قتل المتظاهرين، وأنبأنا بأنه قبل استقالة الحكومة، ثم حدثنا عن المستقبل قفزا فوق كل ما جرى في الحاضر. طوال الدقائق التي تحدث فيها المشير لم أر على شاشة التليفزيون سوى بقعة دم كبيرة تطل منها رءوس الشهداء وتتناثر أشلاؤهم أرجائها. وجدت أن «حق الدم» تم تجاهله وأرواح الشهداء طردت من الفضاء، وهدير الغاضبين الثائرين على المهانة والإذلال صار بغير صدى. اعتبرت ذلك نموذجا آخر للامعقول الذي بات عنوانا عريضا مكتوبا على جدران مصر. وأحزنني أنني رأيت بعد ذلك صورة على اليوتيوب للمشير وهو يؤدي التحية العسكرية، لكن الذين وضعوا الصورة لطخوا يده المرفوعة بالدماء، وأوجعني كثيرا ما سمعته من أن الذين هتفوا ذات يوم بأن الشعب والجيش يد واحدة، غيروا رأيهم وهتفوا هذا الأسبوع قائلين الشرطة والجيش يد ملوثة!