18.9°القدس
18.67°رام الله
18.3°الخليل
23.68°غزة
18.9° القدس
رام الله18.67°
الخليل18.3°
غزة23.68°
الجمعة 24 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.18دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.97يورو
3.67دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.18
جنيه مصري0.08
يورو3.97
دولار أمريكي3.67

خبر: آخر سهم في كنانة العلمانيين!

لم يكن مفاجئاً ذلك التحوّل الذي طرأ على الخطاب الإعلامي والتنظيري لدى غالبية علمانيي العالم العربي على اختلاف مشاربهم تجاه الثورات العربية، والاتجاه نحو التشكيك بدوافعها وأهدافها من جهة، والتخويف من البديل الإسلامي للنظم القمعية البائدة من جهة ثانية. فلا شكّ أن نتائج أول عملية انتخابية شفافة حدثت بعد الربيع العربي (تونس) قد أحدثت لديهم صدمة فكرية وإحساساً بخطر التلاشي عن خارطة الوجود، واستشعاراً لحتمية انقضاض الجمهور من حولهم. لكنّ ما يغيب عن تفكير هذه التيارات وهي تقود حملات إعلامية شرسة ضد التيار الإسلامي أنها إنما تشكّل وجهاً آخر للأنظمة المستبدة التي كانت تستخدم الأبجديات ذاتها في سياق حربها على الإسلاميين في العالم العربي والتخويف منهم. كما يغيب عنها كذلك أنها تضع نفسها في مواجهة تيار عارم في الأمة لم يعد يرى مستقبله تحت ظل أفكار منسلخة عن ثقافته وهويته، حتى لو كانت مبشّرة بالحرية والعدالة ومدّعية الانحياز لنبض الجماهير ورغباتها. أما المظهر الأبرز لانفصام الشخصية لدى مجاميع اليسار والعلمانية العربية (وخصوصاً النُّسخ المتطرفة منها) فهو محاججتها خصومها بأن النظم العربية المستبدة ليست علمانية، أو بأنّ من أسباب فشلها وسقوطها عدم تطبيقها مبادئ العلمانية في الحكم على نحو صحيح، ثم استدلالهم بنجاح النظام العلماني في دول الغرب وقابليته للاستمرار، وتمكنه من تحقيق العدالة والديمقراطية، وهي حجة متهتكة بطبيعة الحال، ليس فقط لأن أول نظام عربي ثار عليه شعبه علماني حتى النخاع، بل كذلك لأن مبادئ العلمانية إنما تناسب فقط المجتمعات الغربية وغير المسلمة، إذ ليس ثمة وزن أو اعتبار حقيقي للدين في حياتها أو ثقافتها العامّة، لأن طبيعة الدين لديها يلائمه فقط أن يكون محيّداً عن التأثير في مناحي الحياة كافّة، ولا يصح بأن يكون مرجعية وقاعدة للتفكير والممارسة العامة. أما المجتمعات العربية والمسلمة، فدينها جاء خاتماً لكل الأديان السابقة، ويتّسم بالشمول والانسجام مع الفطرة، وأحكامه وشرائعه عمليّة أكثر منها تعبّدية، وتطال جميع المناحي التي تهمّ الفرد والمجتمع والأمة، ولذلك فإن عدم مراعاة أي نظام حاكم خصوصية الدين الإسلامي وتميزه عن بقية الأديان سينشئ اختلالات عميقة في بنية المجتمع، وسيعمّق الهوة الفكرية ما بين النظام والرعية، ولن يكون أمام الأول مفرًا من اللجوء للقمع والاستبداد كأداة لتطويع إرادة الجمهور وإلزامه بالتسليم بما يقرّه النظام من سياسات. ولذلك، فإن الهروب نحو التجارب الغربية في الحكم للتدليل على صوابية النهج العلماني بفكره وتقاليده يعدّ حجة على أصحابه لا لهم، فاستنساخ أية تجربة مهما كانت ناجحة وإسقاطها على مجتمع آخر دون تطويعها بما ينسجم مع ثقافته وهويته، ويراعي خصوصيته، ليس سوى تقليد أعمى وإعلان إفلاس وفشل. وليت العلمانيين العرب يأخذون عن نظرائهم الغربيين بعض التقاليد الفكرية الإيجابية التي تحضّ على احترام الآخر والقبول بما تمليه إرادة الشعوب، وبنتائج صندوق الاقتراع حين لا تكون في صالحهم، غير أن واقع هؤلاء مظلم للغاية من هذه الناحية، وتاريخهم شاهد على أن لغة القمع والدم والإقصاء (في أحسن الأحوال) كانت تحكم علاقاتهم بالآخرين، وخصوصاً الإسلاميين ليقينهم بأنه إذا ما خُلّي بين الإسلاميين والشعوب، وأتيح لهم نشر رسالتهم وفكرهم دون مضايقات فلن تلبث الجماهير أن تنحاز للفكر المنسجم مع فطرتها وهويتها. لقد أخذت التيارات العلمانية فرصتها وزيادة على مرّ العقود الماضية، سواء أكانت نُظُماً حاكمةً أم أحزاباً، ومن لم يصل للحكم منها فقد استفاد من تغييب الإسلاميين قسراً عن المشهد، ومع ذلك فلم ينجحوا في تبديل هوية الأمة أو إحداث هزّة فكرية داخل المجتمعات المسلمة، وعليهم ألا يتوقعوا أن يكون من إفرازات الربيع العربي انتعاشة لهم أو رواجاً لمبادئهم، فقد تجاوزهم الزمن وسنّته، ولم يبقَ لهم إلا أن يقبلوا بالمعادلات الجديدة التي بدأت تتشكّل على الأرض.