صدمني السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية السابق مرة أخرى، وربما الملايين مثلي، عندما أفتى يوم الأربعاء على هامش زيارته لواشنطن، بأنه يتعين على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن تقبل بمبادرة السلام العربية وتسارع إلى الاعتراف بوجود (إسرائيل). لو صدرت مثل هذه التصريحات عن وزير خارجية اسكندنافي لا يعرف الصراع العربي الإسرائيلي وتجربة العرب المريرة مع السلام، فهذا أمر مفهوم ومتوقع، ولكن أن تصدر عن شخص عمل وزيرًا لخارجية بلاده وأمينا عامًا لجامعة الدول العربية لأكثر من عشرين عامًا متواصلة، عايش خلالها كل أنواع المراوغة الإسرائيلية، المدعومة بسياسات استيطانية ومطالب ابتزازية تعجيزية، فهذا أمر يجعلنا نشك بكل مواقف هذا الرجل السابقة، وأن نشك أكثر بكل المواقف اللاحقة التي يمكن أن يتخذها في حال توليه رئاسة الوزراء في عهد "الرئيس" عبد الفتاح السيسي مثلما تشير معظم التكهنات. وعندما أقول: إنه، أي السيد موسى، صدمني مرة أخرى، فإنني لا أنسى ما حييت تسمره في مقعده وعدم انسحابه تضامنًا، وهو العربي، مع السيد رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الذي غادر ندوة دافوس السويسرية احتجاجًا على أكاذيب شمعون بيرس الرئيس الإسرائيلي لتبرير مجازر قواته أثناء اجتياحها لقطاع غزة عام 2008 وارتكابها جرائم حرب وقتل 1300 إنسان بعضهم حرقًا بالفوسفور الأبيض. السيد موسى, عندما يطالب "حماس" بالاعتراف بـ(إسرائيل) وقبول التطبيع معها على أساس مبادرة السلام العربية فإنه يبرر مواقف (إسرائيل) التي احتقرت هذه المبادرة، والدول العربية التي قدمتها وتبنتها بطريقة استجدائية مهينة، فلم تجن غير السراب والهوان. فقبل أن يطالب "حماس" بالاعتراف بمبادرة ماتت وشبعت موتًا، وتحللت نقاطها الرئيسة بعد أن تعفنت، عليه أن يشرح لنا أسبابه ومبرراته هذه التي تكمن خلف هذا الطلب الغريب والمريب وفي مثل هذا التوقيت, فمن حقنا أن نعرف الحكمة من وراء هذا الطرح والمرامي الخفية من ورائه. توقعنا من السيد موسى أن يقول على الملأ: إنه ضد اعتراف حماس بـ(إسرائيل)، ويعارض قبولها بمبادرة السلام العربية رغم اختلافه معها وأيديولوجيتها، لأن منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في شخص رئيسها الراحل ياسر عرفات اعترفت بـ(إسرائيل) وتنازلت عن ثمانين في المائة من أرض فلسطين التاريخية، وقذفت بميثاقها في سلة المهملات، ووقعت اتفاقات أوسلو المذلة، وقدمت واجب العزاء في إسحاق رابين، ونسقت أمنيًا مع الأجهزة الإسرائيلية لحماية الإسرائيليين، ومنع أي عمليات فدائية أو حتى احتجاجية سلمية، فماذا جنت في المقابل غير الإذلال والإهانات والاعتقالات وجرائم الحرب وفوق هذا وذاك 800 آلاف مستوطن في الضفة والقدس والمحتلين يعيثون في الأرض سرقة ونهبًا وإرهابًا. السيد عمرو موسى بإطلاقه مثل هذه التصريحات ومن واشنطن, نعتقد أنه يقدم أوراق اعتماده مجددًا للإدارة الأمريكية، واللوبي اليهودي الداعم لـ(إسرائيل)، كمسؤول كبير في العهد المصري القادم بزعامة المشير السيسي الذي سيتوج حاكمًا بأمره بعد أقل من عشرين يومًا في انتخابات جرى تفصيلها على مقاسه. نتمنى أن يقول لنا السيد موسى: ماذا ستحصل حركة حماس مقابل اعترافها بـ(إسرائيل) ومبادرة سلام عربية يعرف مصيرها أكثر من غيره؟ هل سنرى دولة فلسطينية مستقلة في غضون أسابيع وأشهر؟ وأين ستقام هذه الدولة، وما هي عاصمتها، وما هي حدودها؟ فلينورنا بنور علمه نحن الجهلة الذين نعيش في ظلام التخلف ونعمة الجهل!!. لا نفاجأ بصدور تصريحات كهذه عن شخص مثل السيد عمرو موسى، يبارك حصارًا تجويعيًا على قطاع غزة، وخنق أكثر من مليونين من أبنائه، ومن قبل من؟ من سلطة عينته رئيسًا للجنة الخمسين التي وضعت دستورها، ومن المتوقع أن يكون الرجل الثاني فيها. هل هي "جزرة" يلوح بها السيد موسى لحركة حماس بعد استخدام حكومة صديقه المشير السيسي العصا الغليظة ضدها مرفقة بالاتهامات المفبركة وحملة تحريض إعلامية ظالمة غير مسبوقة لتأليب الشعب المصري الوطني الشريف ضد كل ما هو فلسطيني، أم هي رسالة ملغومة الهدف منها الإجهاز على حركة "حماس" بجرها إلى مستنقع التطبيع للقضاء عليها كليًا ونزع دسمها كحركة مقاومة فازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات وصفت بأنها الأكثر حرية ونزاهة في محيطها؟ السيد موسى يطرق أبواب الثمانين من عمره، ونتمنى له عمرًا مديدًا، أي أنه يعيش ما يوصف بأرذل العمر، وكان عليه أن يكفر عن خطاياه السياسية الكثيرة، بالانحياز إلى المظلومين المحاصرين المجوعين، وأن يقول كلمة حق تذكر له في وجه عدو عنصري غاصب قاتل مجرم أو أن يصمت، وهذا أضعف الإيمان، ولكنه لم يفعل ولن يفعل للأسف الشديد، وإلى اللقاء في صدمة جديدة له أشد من صدماته السابقة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.