19.99°القدس
19.78°رام الله
18.86°الخليل
24.33°غزة
19.99° القدس
رام الله19.78°
الخليل18.86°
غزة24.33°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: عن الإسلام السياسي في فلسطين والخطاب الوطني

يمثل موضوع العلاقة بين الإسلام السياسي وأطروحاته، وبين الحديث عن الهوية الوطنية وتفريعاتها مادة للجدل، ومنبرًا للهجوم من طرف الجهات التي تدّعي تمثيلها للمفاهيم الوطنية، ومكوناتها الثقافية، بينما يقف الإسلام السياسي مدافعـًا عن نفسه، نتيجة عمومية مصطلحاته، والمبادئ الفضفاضة التي يطرحها، لا سيما مع شعوره المستمر، أنه غير مُلزَم بالتفصيل، أو اتخاذ مواقف محددة طالما بقي ملاحقـًا، أو في صفوف المعارضة. ولا تقف الساحة الفلسطينية بعيدًا عن حالة الجدل هذه، ويتم التركيز في هذه الحالة غالبـًا على مواقف حركة حماس وسياستها، وحتى إجراءات حكومتها التي أدارتها في قطاع غزة لسنين عديدة. وزادت حالة "الاستهداف" لما تمثله حماس من حالة الإسلام السياسي في فلسطين، بعد الانقلاب العسكري في مصر، وشعور بعض الأطراف الفلسطينية المخاصمة لحماس بأن الوقت قد حان لابتزاز المواقف من الحركة الإسلامية، مما يفتح المجال لمناقشة موقع "الوطنية" ، في ثقافة وسلوك هذه الأطراف. بدايةً، يمكن القول إن الأطراف التي تحمل "لواء الوطنية"، قد انتهكت بالأصل العرف الوطني العام في توقيت طرحها لهذه الإشكالية استقواءً بالخارج المعادي لها، مع عدم الاهتمام بأن إضعاف إحدى أركان الحركة الوطنية، يمثل هزة حقيقية للقضية وللجهات الفاعلة فيها. فالأصل أن الخلاف مع البرنامج السياسي والاجتماعي لحماس أمر مقبول وطنيـًا، أما محاولة إضعافها ودفعها لتغيير لونها الذي أكسبها الجماهيرية، فهو أمر لا يمكن فهمه في المجال الوطني. وهنا كان لابد من استجلاء حقيقة موقف القوى التي تمثل الفضاء المقابل للإسلام السياسي في فلسطين، وطرح مجموعة من الأسئلة على الجهات التي تمثلها. خاصة وأن "الاتجاه الوطني" هو من يدير دفة القرار والتوجيه للقضية والشعب منذ عقود عديدة. فمثلاً هناك إصرار على احتكار منظمة التحرير الفلسطينية للتمثيل، بالرغم من تآكل شرعيتها حتى النخاع، واستبعاد كل ممثلي الإسلام السياسي بالرغم من امتداد شعبيتهم، فهل يخدم هذا الإصرار تعزيز الانتماء الوطني؟ وهل حالة التزييف التي مارسها الإعلام التابع للسلطة الحاكمة ضد الإسلاميين في فلسطين، بل والعمل على شيطنتهم، يمثل إقرارًا بأن هناك "آخر" وطنياً يمكن التلاقي معه، أم أنه فعل العكس تمامـًا. في المقابل عجزت ما تطلق على نفسها " التيارات الوطنية" الفلسطينية عن تقديم نموذج حقيقي لممارسة الحريات السياسية، وقبول الآخر المختلف، ولا هي أرست أسس شراكة وطنية حقيقية مع القوى الفاعلة للمجتمع، وراحت تجمع حولها "الهامشيين" وتضعهم في مركز الصورة؛ لعلها تستعيض شيئـًا من التنوع ولو على المستوى الشكلي. بينما ظل الإسلاميون يُدفعون إلى حواف التأثير بالقوة الخشنة، والإقصاء المتعمد. لقد تسيدت حركة فتح، والفصائل التابعة لها المشهد السياسي لعقود عديدة، ولم تشاركها حركة الإسلام السياسي الأمر، فهل أصبح المجموع الفلسطيني أكثر تمسكـًا بتراثه الوطني، وهويته الثقافية الفلسطينية الحقيقية، وليس على المستوى الشكلي من الشعارات والأهازيج والزي، وإن كانت مهمة؟. أم أنها أوصلت القضية في النهاية إلى تجزئه الوطن (الأرض والشعب)، فاعترفت للمحتل بشرعية إقامة كيانه على غالبية أرض فلسطين، وجعلت من الشعب الفلسطيني، فقط هو الساكن في الأرض التي احتلت عام 1967. إن من أبجديات الهوية الوطنية هي أن تجعل من مصالح الشعب العليا، واحترام خياراته، محددا للمواقف والسياسات التي تتخذها الحركات الوطنية. إلا أن الأمر لم يكن كذلك في الحالة الفلسطينية، فقد تنكرت هذه القوى لنتائج انتخابات المجلس التشريعي الثانية، وبفعل ارتباطاتها الخارجية دفعت الشعب للتشظي والوصول لحالة من الانقسام استمرت لسنين طويلة. في مقابل حالة التردد في الحركة الوطنية، يتخذ الإسلام السياسي في فلسطين الموقف الأكثر وضوحـًا من مكونات القضية الوطنية. فهو يعلن أنه لا يرضى بأقل من فلسطين التاريخية أرضـًا له، وأن كل وسائل النضال متاحة له في هذا المجال، وأن حق العودة لا يمكن التنازل عنه حتى مع حالة عدم الإمكان في مثل هذه الظروف. ومجمل هذه القضايا تجعل من الإسلام السياسي متقدمـًا أكثر من غيره في تعاطيه مع الوطن وهويته التاريخية. ثم تنخرط قوى الإسلام السياسي في حالة المقاوم للاحتلال، بمستوى فعل هو الأكثر تأثيرًا، وتبذل جهدًا كبيرًا ومتواصلاً في هذا المجال. في هذا السياق تواصل قوى الإسلام السياسي في فلسطين، الإعلان أن هدفها هو تحرير أرض الوطن من المحتل الأجنبي، وليس إقامة الخلافة، وتستخدم مصطلح المقاومة بدلاً من الجهاد، وتقيم علاقات مقاومة ميدانية مع طيف واسع من المجموعات التي تمتلك رؤى مرجعية مختلفة ومتنوعة. وواضح تركيزها في غالب خطاباتها على الشعب الفلسطيني، وليس على الأمة الإسلامية، وهذه المعاني والمفردات المتماسة للخطاب الوطني العام باتت تتزايد باضطراد في خطاب الإسلاميين السياسي في فلسطين. واعتقد أنه لا شيء أكثر تثبيتـًا للوطن وتراثه وتاريخه من مقاومة المحتل الذي سرقه. يبقى مطلوب من الجهات التي تمثل الإسلام السياسي في فلسطين، صياغات أكثر تحديدًا في تعاطيها مع قضايا الجدل، وأن تطرح تعريفات أكثر تماسـكًا مع غالبية مكونات الشعب الفلسطيني، وأن تعيد تفكيرها بجدية في قضية إمكان جعل الناس على طريقة واحدة في التعاطي مع قضايا الوطن أو في الحياة الاجتماعية العامة. وبقدر ما لها الحق بالاحتفاظ بمكوناتها الأيديولوجية، و مرجعياتها الفكرية، فإن عليها واجب الاجتهاد في تكوين منظومة أفكار لا تخرج عن إطار الوطن إلا بمقدار ما تخدم هذا الوطن. على الإسلام السياسي في فلسطين أن يزيد جرعة ثقافة أبنائه، بتراث الوطن وثقافته وتاريخه قبل الانتقال لهذا الأمر إلى مستوى الأمة، وأن يبالغ في غرس مفاهيم الوطن قبل أفكار الحزب، وأن يستقرئ باستمرار وجدان غالبية الشعب الفلسطيني، وأن يفهم مزاجه من المنظور العام وليس من المنظار الأيديولوجي، ويصبح أكثر تفهمـًا لحالات التنوع والاختلاف، وأن لا يسعى لجمعهم إلا على إطار وطني يتفق عليه الجميع، بما يسمح بتبني حالة نضالية ضد المحتل، وقبل ذلك يمنع الاصطدام بين مكونات الشعب الواحد.