نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، للزميل في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، والأستاذ مشارك في الشؤون الدولية بكلية بوش للحكم والخدمة العامة بجامعة تكساس، محمد آية الله طبار، قال فيه إنّ: "هجوم إسرائيل على إيران في 13 حزيران/ يونيو، صُمم لضرب برنامج طهران العسكري والنووي".
وتابع المقال أنّه: "بدلا من الانهيار تحت وطأة الصدمة، يبدو أن الجمهورية الإسلامية قد استعادت حيويتها"، مردفا: "من غير المرجح أن يصبح المجتمع الإيراني أكثر تشددا ردا على الضربات. وللحفاظ على الاستقرار الداخلي، قد تتسامح الحكومة مع المزيد من الحريات الاجتماعية".
وأضاف: "قد يكون الإيرانيون أكثر استعدادا لقبول الدولة كما هي. يمكن للبلاد الآن أن يكون لها عقد اجتماعي جديد، عقد يُعلي من شأن الأمن القومي فوق كل اعتبار"، مستطردا: "مع ذلك، لا تزال استراتيجية الأمن القومي الإيراني على حالها إلى حد كبير. قد تكون الجمهورية الإسلامية أضعف في بعض النواحي، لكن قادتها فخورون بصمودهم في وجه الهجمات الإسرائيلية والأمريكية".
"يرون في الأضرار الجسيمة التي ألحقوها بمدن إسرائيل إنجازا كبيرا. ولا يزالون يعتقدون أن إظهار العزيمة في وجه العدوان هو السبيل الوحيد لردع خصومهم. وهكذا، سيشرع القادة الإيرانيون في إعادة بناء شبكة وكلائهم في البلاد: ما يسمى بمحور المقاومة. ستتراجع ثقتهم بالدبلوماسية أكثر من ذي قبل. وبدلا من ذلك، سيمهدون الطريق لحرب استنزاف طويلة مع إسرائيل، وربما لاختراق نووي" وفقا للمقال نفسه.
واسترسل: "في الأسابيع التي سبقت هجوم إسرائيل على إيران، بدا وكأن طهران وواشنطن قد تتوصلان إلى حل سلمي لنزاعهما حول البرنامج النووي الإيراني. لأول مرة منذ التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، أشار فريق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى استعداده لقبول ترتيب يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم حتى 3.67%، وهو المستوى الذي وافقت عليه الولايات المتحدة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، بدلا من عدم التخصيب على الإطلاق".
من جانبها، كانت طهران منفتحة مرة أخرى على التحدث مباشرة مع المسؤولين الأمريكيين، بدلا من التحدث حصريا من خلال وسطاء. واعتقد بعض المحللين أن اتفاقا نوويا جديدا قد يكون وشيكا.
إلى ذلك، أبرز المقال: "لكن مع تقدم المفاوضات، بدأت إدارة ترامب في التراجع عن مرونتها الأولية، متذبذبة بين المطالبة بعدم التخصيب تماما والتفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الإيرانية. في غضون ذلك، عملت إسرائيل بشكل مطرد على محاولة تفكيك حزب الله، وتمزيق حماس، وتدمير بعض الدفاعات الجوية الإيرانية".
واسترسل: "ازدادت الجمهورية الإسلامية ضعفا في كانون الأول/ ديسمبر، عندما أطاح الثوار بالرئيس السوري، بشار الأسد، حليف إيران المخلص. في النهاية، ساد شعور بالاستسلام في طهران: إذ أصبح العديد من المسؤولين والمحللين على حد سواء يعتقدون أن إسرائيل أو الولايات المتحدة أو كليهما ستهاجم، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا".
ومضى بالقول: "تمسك المسؤولون الإيرانيون بطاولة المفاوضات، على أمل تجنب أي هجوم، مع سعيهم في الوقت نفسه إلى تعزيز دعمهم الداخلي؛ ليس من الواضح إلى أي مدى ساعدت هذه الخطوات الحكومة عند سقوط القنابل الإسرائيلية الأولى. في البداية، افترض العديد من الإيرانيين أن الصراع سيكون مواجهة قصيرة بين حكومتين، ومن غير المرجح أن تؤثر عليهم".
وأبرز: "لكن مع تكثيف الضربات، واستهدافها للبنية التحتية وقتلها للمواطنين العاديين، بدأ العديد من الإيرانيين يستنتجون أن الهجمات لم تكن مجرد حرب ضد النظام، بل حربا ضد الأمة نفسها. تفاقمت هذه المشاعر بعد أن حثّ ترامب والمسؤولون الإسرائيليون سكان طهران على إخلاء منازلهم. قالت إحدى سكان طهران للصحيفة: حان الوقت الآن لإظهار التضامن مع إيران. يقول ترامب ونتنياهو 'أخلوا' وكأنهم يهتمون بسلامتنا. كيف يمكن لمدينة يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة أن تُخلى؟ أنا وزوجي لن نمهد لهم الطريق. فليقتلونا".
"بينما صدت الجمهورية الإسلامية هجوم إسرائيل وردت بصواريخ بالستية من جانبها، لاقى رد النظام ترحيبا من الكُتّاب والفنانين والمغنين الإيرانيين. وشبّه المعلقون الإيرانيون من مختلف الأطياف السياسية الهجوم الإسرائيلي بغزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفيتي عام 1941، واصفين الصراع بأنه حرب وطنية إيرانية: نضال وطني يتجاوز السياسة. حتى أن بعض المعارضين القدامى والسجناء السياسيين السابقين انضموا إلى الاحتجاجات" وفقا للمقال نفسه.
وأورد: "من المرجح أن تستغل الحكومة الإيرانية هذه الهدنة لتسريع وتيرة تسليحها استعدادا لصراع طويل الأمد.. وبدأ الخطباء الموالون للحكومة في جميع أنحاء البلاد، فجأة، بدمج الأغاني الوطنية الأيقونية التي تعود إلى ما قبل الثورة في الطقوس الدينية الشيعية. وبالمثل، تستحضر وسائل الإعلام الحكومية ومسؤولو البلديات أساطير فارسية قديمة في رسائلهم، رابطين شخصيات أسطورية بقادة الحرس الثوري الإيراني الذين قُتلوا".
وتابع: "يعتقد بعض الإيرانيين أنه لضمان استمرار التماسك الاجتماعي الحالي في المستقبل، سيتخذ كبار المسؤولين خطوات نحو الاعتدال. فالحكومة، في نهاية المطاف، أقرت بدعم الإيرانيين الذين عارضوا النظام تاريخيا، واعترفت ضمنيا بأخطاء الماضي، ووعدت بمعاملة أفضل للشعب".
وبحسب المقال فإنّ: "المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون، بطبيعة الحال، يركزون على ما إذا كانت طهران تُشكل تهديدا لهم. فيما يرى الحرس الثوري الإيراني الوضع بشكل مختلف. يعتقد قادته أنّ استراتيجية في الدفاع الأمامي للبلاد، ومحاربة الخصوم عبر شن حرب غير متكافئة بالقرب من حدودهم أو داخلها بدلا من الأراضي الإيرانية، قد أثبتت جدواها".
وأردف: "نجح هذا النهج في ردع إسرائيل والولايات المتحدة عن شن هجمات لسنوات، وبالتالي منح طهران وقتا حاسما لبناء البنية التحتية الصناعية والخبرة التقنية والمرونة المؤسسية التي يمكنها الآن استخدامها لإعادة بناء برامجها النووية والصاروخية الباليستية بسرعة، حتى بعد القصف".
ولفت إلى أنّه: "لطالما جادل قادة الحرس الثوري الإيراني لسنوات بضرورة نقل المعركة إلى الخارج لحماية الأمة، زاعمين، على سبيل المثال، أن الفشل في دعم الأسد في دمشق سيؤدي لضربات في طهران. وثبتت صحّة هذا الزعم إلى حد ما. فقد صمّمت إيران وضعها الإقليمي لإنشاء طبقات دفاعية متمثلة في شركائها المختلفين".
وتابع: "ترى طهران فرصا. فقد أجّجت الحرب في غزة غضبا واسع النطاق تجاه إسرائيل في جميع أنحاء المنطقة، ما دفع بالمطالبة من القاعدة إلى القمة بتجديد المقاومة ضد عدو الجمهورية الإسلامية. في الواقع، أكسب صمود إيران وضرباتها الصاروخية على الأراضي الإسرائيلية إعجاب العديد من الشعوب العربية".
وأردف: "في غضون ذلك، تُبدي طهران تشككا أكبر في الدبلوماسية من أي وقت مضى. فقد أضعفت صدمة الهجمات، التي شملت اغتيال قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني ومحاولة فاشلة لاغتيال علي شمخاني، المفاوض النووي الرئيسي، أي مصداقية كانت تتمتع بها الضمانات الأمريكية".
"لا يبدو أن إيران تُسارع نحو امتلاك القنبلة. كما أن إيران لا ترى في الأسلحة النووية بديلا عن جيش تقليدي قوي. فهي دولة كبيرة ذات حدود مع العديد من الدول المجاورة غير المستقرة. وهي متورطة في نزاعات إقليمية متداخلة حول حقول النفط والموارد المائية والحدود البحرية. وتتفاقم هذه التحديات الخارجية بسبب نقاط الضعف الداخلية لإيران" أبرز المقال ذاته.
واسترسل: "بدلا من الاندفاع نحو امتلاك قنبلة نووية، من المرجح أن تواصل طهران سعيها وراء الغموض النووي، بتعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وسيؤدي ذلك أيضا للضغط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية للضغط ضد أي هجمات مستقبلية على إيران، حيث لا تستطيع الوكالة استئناف عمليات التفتيش إلا إذا لم تعد المواقع النووية الإيرانية مُهددة".
واستدرك: "تعتقد طهران أن هذا النهج، الذي يُخفي نشاطها في التخصيب، سيمنحها مرونة أكبر للمضي قدما في برنامجها دون سابق إنذار. وترى في هذا التعليق جزاء عادلا للوكالة الدولية للطاقة الذرية: إذ يشعر المسؤولون الإيرانيون بالغضب لعدم إدانة الوكالة للهجمات الإسرائيلية والأمريكية، رغم أن إيران طرف في معاهدة حظر الانتشار النووي، والتي تضمن لأعضائها الاستخدام السلمي للطاقة النووية".
واختتم المقال بالقول: "ما إذا كانت إيران ستحصل على الرادع النهائي أم لا، ومتى ستحصل عليه؟ سيبقى سؤالا مفتوحا لكن الواضح هو أن إيران غير مُستسلمة، ومن غير المرجح أن تتصرف بشكل مختلف عما كانت عليه سابقا. هذا يعني أن إسرائيل قد تُقرر شن هجوم جديد. وقد ترد إيران بسرعة".