ينتظر الأطفال في جميع أنحاء العالم إجازتهم الصيفية بلهف شديد ورغبة في أخذ قسط من الراحة المؤقتة قبل استكمال مسيرتهم التعليمية. وأطفال فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص كباقي أطفال العالم، يحبون الإجازة الصيفية كثيراً حتى أن بعضهم يبدأ بانتظارها منذ بداية العام الدراسي، ولكن في هذه المنطقة من العالم يجد الطفل نفسه أحياناً أمام خيارات صعبة تدفعه نحو التضحية بأعز ما لديه (الإجازة الصيفية) من أجل مصلحة أسرته. [title] من أجل مصروف إخوانه الجامعيين[/title] فالطفل ( ج . ع) من سكان شمال قطاع غزة، يأتي كل صباح إلى مدينة غزة سيراً على قدميه، ويقف على المفترقات الرئيسية في المدينة يبيع ما تيسر له من بعض المسليات أو البسكويت للسيارات والمارة. يقول (ج . ع) والذي طلب منا عدم الكشف عن اسمه: "أنا أصغر إخواني، فمنهم من يدرس في الجامعة ومنهم من هو في الثانوية العامة، ومنهم من هو أصغر، ولكني أعمل كل يوم وأتعب لأوفر لإخواني مواصلات الجامعة ولا نمد يدنا إلى أحد". ويشير الطفل إلى أنه يعمل في فترة الإجازة الصيفية فقط، وعند بدء العام الدراسي يشتري أغراض المدرسة من النقود التي كان يجمعها في إجازته، ويضيف: "والدي يبلغ من العمر 65 عاماً، ولا يقدر على العمل كما كان في السابق، هو لا يجبرني على العمل ولكني أعرف أن البيت يحتاج إلى مصاريف كثيرة". ويتمنى الطفل (ج . ع) أن يلتحق بالمخيمات الصيفية ليلعب كأقرانه ويرفه عن نفسه، لكنه يقول: "اخترت العمل لأخدم أسرتي وأوفر لقمة العيش لهم". أما بعض الأطفال فيفضل مصلحته الشخصية ورفاهيته على مصلحة أسرته، مثل الطفل ( ع . د) والذي كسابقه يقطن في شمال قطاع غزة، لكنه يختلف عنه في أوجه صرف النقود، فـهو لا يهتم لأسرته مطلقاً ولا يعطيها أياً من النقود التي يجمعها طول نهاره وإنما يصرفها على نفسه فقط. يقول الطفل (ع . د): "عندما أنهي عملي أشتري زجاجة بيبسي وساندويتش شاورما وما يخطر ببالي، وعندما أعود إلى البيت لا أحد يطالبني بشيء". ويضيف (ع . د): "منذ بداية الإجازة الصيفية وأنا على هذا الحال، وعندما تبدأ المدرسة لا أشتري زياً مدرسياً جديداً وإنما أذهب بملابس العام الماضي". [title] عمل للتعلم وليس للكسب[/title] ويلجأ بعض الآباء في الإجازة الصيفية إلى إيجاد مهنة مناسبة لأبنائهم، ليس من أجل الكسب المادي وإنما لأجل التعلم، والدخول في معترك الحياة، والاستفادة من الإجازة بقدر الإمكان، وعدم إهدار الوقت الطويل في أشياء غير ذي جدوى. فالشبل (س . ح) يعمل في مهنة النجارة مع أحد أقربائه وهو سعيد جداً بذلك، ويضيف: "أقضي الإجازة الصيفية في شيء ينفعني مستقبلاً، ولا أنتظر من قريبي أجراً على عملي، فأنا الذي أستفيد". ويوضح (س . ح) بأن عمله في النجارة لا يعطل حياته اليومية أبداً، فهو يذهب مع أسرته إلى شاطئ البحر، وإلى المتنزه، ومدينة الملاهي ويعيش حياته الطبيعية بشكل جميل. [title] الجانب النفسي التربوي[/title] وتتأثر نفسية الأطفال وسلوكهم جراء خروجهم للعمل في سن مبكرة، فاختلاطهم ببيئة العمل وما تحمله من ألفاظ وممارسات خشنة تنعكس سلباً على حياتهم. د. درداح الشاعر الأخصائي النفسي والتربوي، يوضح أن العمل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع حياة الطفل النفسية، وسواء كان اضطرارياً أو لا فإن له أيضاً انعكاسات سليبة على شخصية الطفل. ويعتقد د. الشاعر في حديث خاص بـ "فلسطين الآن" أن عمل الأطفال يفقدهم براءة الطفولة، وينقلهم مباشرة إلى مرحلة الرجولة، فيتعلمون ألفاظ الرجال وخشونتهم، ويتولد لديهم شعور بالنقمة على المجتمع الذي لم يوفر لهم طفولة هادئة، وأشعرهم بالحرمان والظلم الاجتماعي والخوف والقلق من المستقبل. ويوضح الأخصائي النفسي والتربوي بأن عمل الأطفال يسيء إلى الجانب التربوي والأخلاقي للطفل، جراء تعلمه بعض العادات السيئة والألفاظ، وربما ينحرف به العمل إلى مسلكيات لا أخلاقية. ويرى د. الشاعر أن عمل الأطفال له مضار كثيرة على الناحية التربوية، ويؤثر على انتماء الطفل للمدرسة ورغبته في العودة إليها، فضلاً عن الآثار الجسمية إذا كان العمل في مهن شاقة كالحدادة أو الغاز. ويضيف: "يؤثر عمل الأطفال تأثيراً كبيراً على سلوكهم، فيدفعهم نحو العدوانية وتقمص شخصية الكبير وخشونته، لأنه لم يتعلم من المجتمع إلا العنف والخشونة والعدوان". واعتبر الأخصائي النفسي والتربوي عمل الأطفال دالة واضحة على سلبية الأب، وعدم قيامه بواجباته كأب، ودعا الوالدين لتجنيب أبنائهم مشقة الأعمال، وقال:} وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا{. وتابع د. الشاعر: "الإساءة للأبناء في الصغر إساءة للآباء في الكبر، فإذا أحسن الأب لأبنائه في الصغر أحسنوا إليه في الكبر".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.