16.11°القدس
15.92°رام الله
14.97°الخليل
21.23°غزة
16.11° القدس
رام الله15.92°
الخليل14.97°
غزة21.23°
السبت 25 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.16دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.97يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.16
جنيه مصري0.08
يورو3.97
دولار أمريكي3.66

خبر: شهادة "مضروبة"

رأى عميد معهد الدراسات الإسلامية بالإسكندرية ما لم يره أحد غيره في بر مصر. ومن ثم كشف لنا ما كان مخفيا ومستورا ومحيرا للجميع، فقد نقلت عنه صحف الثلاثاء الماضي (22/11) ما وصفته بأنه «شهادة خطيرة» على أحداث ميدان التحرير، خلاصتها أوردتها صحيفة «الأهرام» كما يلي: إن الرجل -الشيخ الدكتور جميل علام- كشف عن رؤيته مجموعة من الأشخاص فوق أسطح مباني الجامعة الأمريكية (المطلة على ميدان التحرير)، وهم ليسوا من شباب الثورة. وقال: «إن فريقا منهم كان ينهب ويسرق في الجامعة، وفريقا آخر يقوم بإطلاق النار على قوات الأمن المركزي، وفريقا ثالثا يطلق الرصاص على شباب المتظاهرين. وأوضح أن هذه المجموعة كانت تضم ثلاثين شخصا، وقد تم التحفظ على بعضهم في ميدان التحرير. أضافت الأهرام أن شهادة الدكتور علام جاءت أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مساعد قائد المنطقة المركزية». قرأت الخبر مرتين لكي أتأكد من تفاصيل «رؤية» الشيخ الدكتور، واستوقفتني عدة أمور منها أنها شهادة «آحاد»، وعند الأصوليين فهي شهادة ضعيفة لا يؤخذ بها في اعتماد الأحاديث النبوية إلا إذا وجد هناك ما يقويها. ويشكك في صدقيتها أن الرجل وحده هو الذي أدلى بها، علما بأن وجود ثلاثين شخصا فوق مباني الجامعة الأمريكية ليسوا بالعدد الهيِّن الذي يراه واحد ويعجز عن رؤيته آخرون. ثم أنه قال إن هؤلاء الأشخاص ليسوا من ثوار التحرير. ولم أفهم كيف تسنى له أن يتأكد من ذلك، وأن يميزهم عن ثوار التحرير، الذين لا نعرف لهم زيا موحدا ولا سمتا مميزا ولا علامة بارزة تسمح للناظر بأن يتعرف عليهم بالعين المجردة من على بعد أكثر من مئة متر. ثم لا بد أن يلفت نظرنا أنه ظهر في المؤتمر الصحفي الذي عقده نائب قائد المنطقة المركزية، وكأنه جاء لكي يعطي شهادة براءة للقوات المسلحة والداخلية. الأهم من كل ذلك أن رواية الرجل تقول إن أولئك الأشخاص يمثلون الطرف الثالث الذي دأبت الأبواق الرسمية على الإشارة إليه باعتباره المسئول عن الأحداث الجسام التي تطل علينا بين الحين والآخر. ذلك أننا درجنا على استقبال شهادات مماثلة عبرت عنها تصريحات وبيانات رسمية تقول إن القوات المسلحة بريئة، وأن الشرطة وقفت لكى تحرس الناس وتحميهم، وأن المتظاهرين كانوا سلميين ومؤيدين ومن شباب الثورة «الكُمَّل»، لكن المشكلة في الطرف الثالث الذي دأب على أن يندس وسط المتظاهرين، لكي يعكر الأجواء ويوقع بينهم وبين الشرطة والجيش. هؤلاء «الأبالسة» الذين تنشق عنهم الأرض في كل مناسبة لم يستطع أحد أن يبصرهم بعينيه، ولا أن يقتفي أثرهم أو يدلنا على مكانهم، ولأسباب غير معلومة فإنهم يختفون في المجهول، تماما كما أنهم يجيئون من المجهول، حتى كاد بعضنا يقتنع بأنهم ينتمون إلى عالم الجن والعفاريت، خصوصا أن أجهزتنا الأمنية التي قيل لنا يوما ما بأنها ترصد دبيب النمل، وتحصي أوراق الشجر المتساقط في البلد فشلت في أن تعثر لهم على أثر. وحده عميد معهد الدراسات الإسلامية بالإسكندرية الذي نجح فيما فشل فيه الجميع. وبعين «زرقاء اليمامة» التي تقول الرواية التاريخية أنها أبصرت وراء الأفق ما لم يبصره آخرون، بحدة البصر وعبقرية البصيرة، رآهم واستطاع أن يدقق في ملامحهم جيدا، ويميزهم عن ثوار التحرير المعتمدين. لعلها المصادفة التي جعلت شهادة الرجل مصدقِّة ومطابقة لرواية الأجهزة الأمنية والأبواق الرسمية، كما أنها مصادفة أيضا أن يظهر الشيخ واللواء في مناسبة واحدة، لكن ملاحظتي الأساسية أن إخراج المشهد اتسم بسذاجة تشى بأن السيناريو أعده مخرج مبتدئ فشل في السينما، فقرر أن يوظف خبرته المتواضعة في خدمة الأمن الذي هو في خدمة السياسة. لا أعرف كيف أحصى الشيخ الثلاثين «عفريتا»، وقسمهم بين لصوص يسرقون، ومتآمرين يطلق بعضهم الرصاص على المتظاهرين، في حين يوجه البعض الآخر نيرانهم صوب عناصر الأمن المركزي. وإذا غضضنا الطرف عن أن الذين يسرقون لا يمارسون مهمتهم فوق السطوح، حيث لا يوجد شيء يسرق، الأمر الذي يجعل إحصاءهم متعذرا، فإن الرسالة التي قرأتها في الشهادة المنشورة كانت كالتالي: هذا شيخ معمم قادم من الإسكندرية معقل السلفية رأى بأم عينيه ما نحاول أن نقنع الناس به، لكنهم لا يصدقون أن العسكر جميعا -شرطة وجيش- أبرياء من دم المصريين، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، إلا أن «الأبالسة» الذين لا يريدون لمصر خيرا هم الذين لا يكفون عن الظهور في كل مناسبة قاصدين تشويه صورة العسكر والوقيعة بينهم وبين الشعب. وقد رآهم الشيخ المبروك وهم يطلقون النار على الشرطة البريئة والمواطنين الشرفاء في نفس الوقت، تماما كما فعلوا في موقعة ماسبيرو وفي ميدان الأربعين بالسويس وإبراهيم باشا في الإسكندرية. السؤال الذي لم أجد له إجابة في التقرير المنشور عن «رؤية» الشيخ علام هو: هل هذه «الرؤية» شاهدها الرجل في اليقظة أم في المنام؟!