الحرية .. هذه الكلمة التي أحجم الكثيرون عن استخدامها في خطاباتهم، بل نسي بعضهم أنها من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وباتت الكلمة تعني للناس الحضارة الغربية التي استطاعت أن تخفي سوأتها وأن تقدم للعالم نفسها على أنها المُخلص لهم من الظلم والاستبداد. وعلى الرغم من أن الناس كلما اقتربت من الغرب وحضارته اكتشفت سوء عورتهم، إلا أنها سرعان ما تعود لتنظر في تلك المرآة الجميلة التي صنعها الغرب لنفسه، حتى استطاع أن يجد له من في عالمنا العربي أنصاراً ينعقون باسمه، ويطبلون ويزمرون لشعاراته من حرية وديمقراطية وانفتاح. ولما وجد الغرب أن حضارته استطاعت إقناع العرب الذين يعانون الضعف والتشرذم، فوجدوهم يدخلون في دين حضارتهم المصطنعة أفواجاً، وباتوا ينادون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان دون أن يعرفوا حتى معناها، وبدأ الغرب يصنعون الحريات بالمقاس المناسب للشعوب والخادم لمصالحهم وفق مزاجهم وإشباعا لشهواتهم فأصبح التعري والفجور وسرقة مقدرات الشعوب الفقيرة جزءا ملتصقا بالحرية الغربية. ولم يكتف الغرب بذلك، بل زرعوا لهم أصناماً وحكاماً ترسخ هذه الحرية الجديدة التي حملت لنا أُسساً حديثة في عالم الأخلاق والمبادئ، فأصبحت بيوت الدعارة والفجور قانونية تعمل وفق قانون الحكام، وأصبح التعري والزنا حضارة وحرية، ولبس الحجاب تخلُف ورجعية وجريمة يعاقب عليها القانون، وباتت وسائل الإعلام تنشر كل وباء، وتهدم كل بناء، وتحرم كل فضيلة، وتبيح كل رذيلة، فتاهت العبارات، واختلطت المفاهيم وبات الناس في صراع مع أنفسهم وهم ينظرون لهذا المفهوم القادم من الغرب والمسمى (حرية) التي فتكتك بأرواح ملايين البشر، فكان الإيدز والمخدرات والشذوذ الجنسي، وإبادة الشعوب باسم الديمقراطية والحرية. لكن الحرية الغربية التي لم تزد الشعوب العربية إلا قهراً وظلماً وجهلاً، بعد أن نكل الحكام بالعلماء وأغُلقت الجامعات وهُجرت العقول خوفاً من هذا الواقع المظلم، ودُمرت أفغانستان والعراق من أجل نشر الديمقراطية، والحفاظ على حقوق الإنسان الذي بدأ يقتل دون أن يعرف سبباً لقتله، أما مقدرات وثروات الشعوب فقد قُدمت هديةً للغرب جزاءً على ما قدمه من خير للبشرية، فالبترول العربي أصبح هو الآخر يبحث عن الحرية في مصانع أوروبا وخزانات النفط الأمريكية وخزائن بنوكها. واقع مؤلم افتتح به الإنسان العربي وخاصةً الشباب، العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بعد مائة عام جرب فيها الناس كل أكاذيب العلمانية واللبرالية والشيوعية، التي جعلت جيل الشباب ينظر إلي تلك المرآة الغربية التي تظهر الحضارة الغربية كالفتاة الحسناء، بينما الواقع الغربي نفسه يختلف تماماً!! فلماذا ينتحر الناس في الغرب؟، وتنتشر عصابات المافيا وتعم الجريمة. ثم ينظر هذا الجيل من الشباب المثقل بالهموم والبطالة والفقر، إلي الزاوية الأخرى حيث مرآة تركها نحو قرنٍ من الزمان دون أن يحاول التعرف عليها، أو حتى النظر فيها ولو لحظة، فبات يسأل عنها وهي التي استطاعت أن تحافظ على لمعانها الحقيقي طوال هذه الفترة، وجمعت حولها قلوب الكثير ممن فضلوا السجون والقتل على الالتحاق بسفينة الحضارة الغربية، فأبناء هذا الفكر الإسلامي وإن قل عددهم وضعفت قوتهم إلا أنهم الأحسن حالاً، والأهدأ بالاً، والأكثر وعياً وإدراكاً أن دورة جديدة من دورات التاريخ قد بدأت فعلاً، مطمئنين لوعد الله. لقد أيقنت الشعوب أن الوقت حان لوقف هذه اللعبة السخيفة التي مارسها الغرب بحق الشعوب العربية، وتحطيم المرآة الكاذبة التي صور الغرب لنا فيها نفسه، والالتفات إلي الأصل إلي تلك الفئة من الناس المطمئنة قلوبهم، المستقرة مسيرتهم. إن الشباب العربي اليوم يريد إعادة حضارته إلي مسارها الصحيح، على أُسس سليمة وواضحة غير آبهين بتلك الأصوات النشاز ممن اقتاتوا لقرن من الزمان على دماء وكرامة الشعوب، إن الشعوب اليوم قررت اختيار الحرية الحقيقة القائمة على العدل والصدق والأخلاق التي تحفظ الكرامة. إننا نريد أن يحيى أبنائنا في كنف الإسلام الذي يجمع ولا يفرق، يقرب ولا يبعد، يشعر فيه المسلم وغير المسلم بالأمن والاطمئنان، إن سفينة الإسلام تبحر من جديد وهي تحمل الخير للبشرية في بحر متلاطم الأمواج، سفينة لا تعرف الضعف أو الاستكانة ولا تلتفت إلي الناعقين من أبناءها الذين اصحب الغرب دينهم، فهنيئاً لمن لحق بنا وركب معنا، وندعو بالخير والهداية لكل من لا زال متردداً و لسان حالنا يردد قول الله تعالى: ( وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( هود، 41 )
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.