أثبت الشعوب العربية أن خيارها هو الإسلام عندما تعطى حرية الاختيار، فكان المصريون يحتلون اليوم صدارة المشهد، وأمس كان المغاربة وسبقهم التوانسة ، هؤلاء جميعا أكدوا لكل المراقبين والمشككين في أن الشعب العربي الممتد تواجده من المحيط إلى الخليج بدأ يعود عوداً حميداً إلى جذوره الأصيلة الذي دفنت بفعل هيمنة الاستعمار وعربدته لعقود طويلة . فقد اختارت تونس والمغرب الإسلام ، ومصر عبر المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية هي الأخرى عبرت عن هويتها بكل صراحة ووضوح ،وعبر صندوق الاقتراع الذي لا يكذب ولا يغير ولا يبدل أن الإسلام هو الذي يمثلها ، هذا المنهج الذي يستوعب كل الأطياف والأطراف ولا يظلم في ظله أحد ، والتاريخ خير شاهد ودليل. وفي المشهد الحاضر اليوم صوت المصريون بكثافة للتيارات الإسلامية بغض النظر عن مسمياتها ، وإن كان حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين قد حصد نصيب الأسد ، فهذا له دلالات كثيرة قد يغفل عنها البعض ، لكن كثيرين من أعداء الإسلام تنبهوا وبدؤوا ينسجون مواقفهم على إثرها . الرئيس الأمريكي اوباما وإدارته أبدوا استعداداً للتعامل مع الإسلاميين في حال فوزهم في الانتخابات المصرية ، فيما اتصل وزير الخارجية الفرنسي بالسيد راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي الفائز في الانتخابات لتهنئته بالفوز في إشارة إلى رغبة فرنسية بالتعاون وبشكل فوري مع حكومة النهضة التي تتواجد فيها غالبية تنتمي للتيار الإسلامي . ولكن أطرافا أخرى بدأت تشعر أن ما يحدث في الأقطار العربية لا يعدو عن كونه مقدمة لزوال كيانه المسخ، فدولة الكيان التي لطالما سيطرت على الحكام الذين حكموا هذه الأقطار، ومرروا لها كل مخططاتهم وصالوا فيها وجالوا دون حسيب أو رقيب ، يشعرون الآن بالمتغيرات الحادثة ويتحسسون الخطر الذي يتهدد مستقبلهم الهش الضعيف أمام إرادة الأمة التي لو توحدت فلن تستطيع قوة على الأرض مهما بلغت قوتها أن تهزمها أو تنتصر عليها أو تنتزع منها مقدراتها وإمكانياتها كما كان سابقا . إن عودة الشعوب العربية لتختار الإسلاميين ليحكموا هذه الأقطار يعطي دلالات عميقة من أهمها أن الشعوب العربية التي ألفت قادة العمل الإسلامي بينها وفي صفها تقاتل من أجلهم ومن أجل حريتهم ومن أجل قوت أطفالهم تستحق وبكل جدارة أن تتصدر المشهد السياسي وان تحكم بذات النظرية التي حكمت العالم عقوداً طويلة زاهرة ، يضاف لهذه الدلالات قناعة الشعوب العربية بأن التحالف مع الغرب على أساس الخنوع والضعف لن تجلب للعرب إلا مزيداً من التبعية والضياع وغياب الهوية، تلك الهوية الإسلامية التي صنعت مجد العرب وعزهم. هذا الاختيار يعد نجاحاً باهراً لتلك الدعوة الخالدة التي بدأها الإمام الشهيد حسن البنا بدعوة الناس ليعودوا إلى دين الإسلام يوم كان الإلحاد والفجور هو السمة البارزة في المجتمع المصري والعربي بشكل عام ، واستمر على نهجه من تركهم خلفه من الرجال الذين باعوا أنفسهم لدعوتهم وخدمة مجتمعاتهم فأثمر ذلك ما نراه اليوم من موجة تدين عارمة وعودة حقيقية للإسلام تملأ أرجاء المعمورة . الدلالات كثيرة وأكثر من أن يحصيها مقالي ، ولكنني وفي ختامه أوجه تذكرة لكل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية الذين انتقلوا من مرحلة الدعوة والتنظيم إلى مرحلة الحكم وعلى أمل التمكين ، أن الشعوب اليوم وضعت ثقتها فيكم وفي خططكم ومناهجكم ، فلا تخذلوها وكونوا عند حسن ظنها ، واجعلوا أحكام الإسلام وضوابطه بين أعينكم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، وإياكم والركون إلى الدنيا فالأمة تنتظر منكم حكماً كحكم عمر وهارون الرشيد .. وفقكم الله لما فيه خير دينكم وأمتكم، والعالمين.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.