24.75°القدس
24.57°رام الله
23.86°الخليل
25.86°غزة
24.75° القدس
رام الله24.57°
الخليل23.86°
غزة25.86°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: (العارُ يبقى والجرحُ يلتئمُ)

شطر البيت هذا من قصيدةٍ للمتنبي بات يظلّل حالة الوعي الفلسطينية بأبعاد المرحلة المقبلة وضروراتها، ويفرض نفسه على عملية التفاوض حول مطالب المقاومة، وهي العملية التي اضطر فيها الفاشلون سابقاً (في مفاوضاتهم الاستسلامية) إلى التخلّق بأخلاق الفلسطيني الناجح أو المفاوض الجديد، وهو يوقّع اشتراطاته بمداد رصاصي، ويسند ظهره إلى مقاومة من لحمه ودمه، تفوّضه كما يفوّضها، وتدعم موقفه كما ينافح عنها ويمهّد مساره السياسي لأجل أن تمشي عليه مطمئنة واثقة. لماذا تأخرنا حتى هذا الوقت قبل أن ننجح في إزالة ذلك الالتباس حول مفهوم التفاوض، الذي كان حتى أمد قريب مقترناً بالتنازل والتفريط، وأقرب إلى الخيانة منه إلى التكتيك السياسي؟ ولماذا يبدو الفلسطيني الآن حتى وهو يهتف للمقاومة يربت في الوقت ذاته على كتف السياسي الذي يفاوض لتحصيل الحقوق المجمع عليها؟. إن أمثولة هذه الحرب تخطّت نجاحها في تثبيت أركان المقاومة إلى تفضّلها على مفردة (المفاوضات) بأن ردّت إليها بعض الاعتبار، حين أثبتت أن التفاوض ليس شراً مطلقا، بل يُقيّم بناء على ظروفه وأرضيته ومرجعيات القائمين به ومطالبهم ومدى صلابتهم، وكذلك بناءً على العين التي يرون خلالها عدوّهم؛ فبين رؤيته (شريكاً) في السلام، وبين رؤيته عدوّاً غاصباً فرق كبير، يشبه الفرق بين أن يحمل أحدهم مطالب المقاومة مرغما وتحت ضغط مزاج الشارع، وبين من يحملها عن قناعة وأصالة والتزام، محتملاً في سبيلها الأذى والخذلان ومشقة المسير. لم يكن ينقص الفلسطيني الفهم ولا البطولة، ولا اليقين بأن درب التحرير مرصوف بالدم والرصاص، وبأن الأخير لغة التفاهم الوحيدة مع المحتل. إنما كان ذلك التفرّد الأرعن بالقرار حين فرض على الفلسطيني منطق التسوية السقيم هو أوّل مرتبة من مراتب الانحدار، وكل ما ترتب عليها لاحقاً كان من سيئات المفاوضين الأوائل، الذين شيدوا صرحاً أخطبوطياً للعار، وأسموه عملية مفاوضات أو مسار تسوية، فيما كان في حقيقته وصفة للفتك بقناعاتنا وتشويه واقعنا وتبديل أولوياتنا وتغيير اتجاه بوصلتنا وإغراقنا في تفاصيل جانبية ابتعدت بالقضية عن طريق التحرير مثلما ابتعدت بالفلسطيني عن همّه الأساسي ومشكلته الحقيقية. ولم يتم التخلّص من استحقاقات صرح العار هذا إلا بتحرر غزة من إرادة ووصاية الاستسلام، وإبصارها موضع النفاذ إلى قلب المعركة، ثم لم تلبث أن قاتلت عدوّها بسلاحها، وكان قادتها داعمين للخيارات الصعبة وإن كانت طويلة، فانسحبت تلك القناعات الثورية على القاعدة الجماهيرية فتحولت - في غالبيتها - إلى بيئة حاضنة للمقاومة لا طاردة لها، فلم تجزعها الجراح، ولم تثنِها الخسائر، وكانت ضخامة التضحيات تحضّها على مزيد من الصمود وتصليب المواقف، وليس التخلّي والتولّي إذا ما أقبلت المعارك. واليوم تقول غزة بلسانها العسكري والسياسي قولاً واحدا: (العار يبقى والجرحُ يلتئمُ)، وتُكذّب من زعم أو ظن أن لغة البندقية لا تتقاطع مع لغة السياسة، فحين يكون إنهاء العار قراراً أكيداً يتراجع المنطق الرتيب، وتتقدّم الأبجديات الجديدة لتؤسس البنيان، وتهدم جدر الحصار، حتى وإن كان الثمن باهظا، فالمهم هنا أن تتحرر قيم سبيل التحرير من عقال العجز، وأن تُحسن فرض نفسها وتمتين جذورها، حتى لا يعود إلغاؤها ممكنا، وهذا ما تفعله غزة اليوم في معركتها غير المنتهية إلى البوار، بإذن الله.