16.66°القدس
16.38°رام الله
15.53°الخليل
21.51°غزة
16.66° القدس
رام الله16.38°
الخليل15.53°
غزة21.51°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: آن لغزة أن تفرح

لأول مرة منذ خمسين يومًا اختفت الجنازات من شوارع غزة، وارتسمت على وجه القطاع ابتسامات الزهو والفرح، التي ترددت أصداؤها في الضفة وبين الفلسطينيين داخل أراضي الـ(48). فرحوا لأنهم بصمودهم وبسالة شبابهم دحروا العدوان وكسروا كبرياءه، ونقلوا الخوف لأول مرة إلى داخل البيت الإسرائيلي حتى أربكوا قيادته، وأحرجوا حكومته التي تدهورت شعبيتها، بعدما طال أمد الحرب ولم تحقق شيئًا من أهدافها، تجلى ذلك في نتائج الاستطلاع الذي أجرته القناة الثانية، وبيَّن أن 80٪ من الإسرائيليين مستاؤون من أداء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في حين أن 90٪ منهم غير راضين عن اتفاق وقف إطلاق النار الذى أعلن في القاهرة مساء الثلاثاء الماضي 26/8، ليس ذلك فحسب، وإنما تتحدث التقارير الصحفية عن أن نصف أعضاء المجلس الوزاري المصغر الثمانية يعارضون الاتفاق، إذ كان السؤال الذى ردده الجميع هو: "كيف بعد 50 يومًا من الحرب نضطر إلى قبول واقع كنا نرفضه؟!"... في هذا الصدد ذكر المعلق السياسي للقناة الثانية أمنون إبراموفيتش أن الحرب فتحت أعين الكثيرين على حقائق جديدة، من بينها ما تثيره الأسئلة التالية: إذا كان الكيان العبري يهدد إيران حقًّا، فكيف كان سيبدو لو أنه اضطر إلى خوض حرب على جبهتي القطاع ولبنان في الوقت نفسه؟!، ثم كيف سيتصرف نتنياهو ويعلون وهما صاحبا نظرية أن المسألة الفلسطينية غير قابلة للحل، بعد أن فشلت نظرية إدارة الصراع؟!، وكيف اضطر الكيان الذي يرفع شعار عدم التفاوض تحت النيران إلى التفاوض على وقف النار تحت النار؟!، أوليس الإنجاز الوحيد الذي حققه نتنياهو هو أنه استطاع أن يوقف حرب الاستنزاف التي استدرجته إليها المقاومة الفلسطينية بكفاءتها العسكرية، وثباتها وإصرارها على عدم الرضوخ أو التراجع، حتى أنها ظلت تطلق صواريخها حتى قبل دقائق من سريان وقف إطلاق النيران؟! صحيح أن كل سكان غزة عانوا من الجحيم الذى فرض عليهم، وجميعهم دون استثناء اشتركوا في دفع الثمن من دمائهم وفلذات أكبادهم ودورهم التي تحولت إلى خرائب وقبور، لكن الضحايا احتفظوا بكبريائهم طوال الوقت، ونسوا أحزانهم حين ذاع نبأ وقف القتال الذي فشل في تركيعهم وإذلالهم، كانوا يعلمون أن المقاومة أوجعت الاحتلال وتحدت صلفه؛ فصواريخها طالت أهم المدن المحتلة، ومقاتلوها نجحوا في عمليات الإنزال خلف خطوط العدو من طريق الأنفاق تارة، وعبر البحر تارة أخرى، فضلًا عن الكمائن التي نصبوها ومكنتهم من الإيقاع بالمدرعات، وسحب الجنود المذهولين من داخلها، وهو ما أدى إلى قتل أعداد من قوات النخبة الإسرائيلية تعادل أربعة أضعاف ما خسرته في حرب لبنان عام 2006م. الصمود الذي عبر عنه المقاتلون على الجبهة كان له صداه في المفاوضات التي أجريت في القاهرة، التي تمت برعاية مصرية حقًّا، لكنها تجاوزت أفق المبادرة المصرية التي أعلنت في 14 يوليو الماضي، ذلك أن المبادرة كانت تحركت في حدود تفاهمات 2012م ولم تقدم شيئًا يذكر إلى المقاومة، وإنما كبلتها في بعض المواضع، إلى جانب لغة الحياد التي اتسمت بها، إذ تعاملت مع الطرفين على قدم المساواة، وعدت ما يصدر من كليهما «أعمالًا عدائية» ضد الطرف الآخر، دون تفرقة بين المحتل القاتل وصاحب الحق القتيل؛ فقد نصت مثلًا على وقف «الأعمال العدائية» من جانب الفلسطينيين جوًّا وبحرًّا وبرًّا وتحت الأرض، مع التشديد على وقف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها، وهو نص يكاد يشل حركة المقاومة ويمنعها من حفر الأنفاق التي كانت أحد إبداعات المقاومة التي ظهرت في الحرب الأخيرة... ودعت المبادرة إلى فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع «في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض»، ومقتضى هذا الشرط الأخير ألا تفتح المعابر على الإطلاق؛ لأن تقدير استقرار الأوضاع الأمنية متروك للاحتلال، وبمقدوره أن يتعلل بعدم استقرار تلك الأوضاع طوال الوقت، ولم يكن الأمر مقتصرًا على ثغرات تخللت المبادرة، ولكن المراوغات الإسرائيلية لم تتوقف خلال المفاوضات، إذ ظل الإسرائيليون حريصين على ألا تحقق المقاومة أي إنجاز على أي صعيد، إلا أن إصرار الوفد الفلسطيني على مطالبه، وتمسكه بالاقتراب قدر الإمكان من هدف فك الحصار وتحقيق الإعمار والتخفيف من معاناة وعذابات سكان القطاع، وفي الوقت نفسه استعداد فصائل المقاومة للاستمرار في الحرب إلى أجل أطول لم يألفه الاحتلال؛ هذه العوامل كان لها دورها في إخراج الاتفاق بالصورة التي أعلنت في بيان وزير الخارجية المصرية مساء الثلاثاء. صحيح أن الاحتلال لم يستجب لكل ما طلبه الوفد الفلسطيني، لكن القدر الذي وافق عليه أحدث نوعًا من «الحلحلة» التي طورت المبادرة المصرية وعالجت عيوبها، ذلك أن الاتفاق تجاوز سقف تفاهمات 2012م ونص على الإعمار وفتح المعابر بغير شروط، وتمكين أهل غزة من الصيد في حدود ستة أميال بحرية بدلًا من ثلاثة، ولم تلتزم المقاومة إلا بوقف إطلاق النار، وكان الإنجاز الوحيد الذي حققه الإسرائيليون أنهم أوقفوا بدورهم القتال وتجنبوا استمرار الاستنزاف. من حق القطاع وأهله أن يستشعروا ثقة واعتزازًا بما تم، لكن أتمنى ألا نبالغ في الانتشاء بالنصر الذي أزعم أن ثمة شوطًا طويلًا ينبغي أن ينجز لتحقيقه على النحو المنشود، فضلًا عن أن الإنجاز الذي تحقق من الاتفاق لن يكتمل إلا بتنفيذ بنوده وتنزيلها على الأرض، وهو ما سيخضع للاختبار خلال الأيام والأسابيع المقبلة