23.33°القدس
22.81°رام الله
22.19°الخليل
26.07°غزة
23.33° القدس
رام الله22.81°
الخليل22.19°
غزة26.07°
الجمعة 02 اغسطس 2024
4.83جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.09يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.83
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.09
دولار أمريكي3.79

خبر: الحاجة النمورة .. لقاء الدنيا والآخرة في آن واحد

الحياة في فلسطين تحمل معان أخرى غير تلك التي يحملها في باطن عقله كثير من البشر الذين يعيشون على البسيطة ، ففي فلسطين لا تلبث الحياة أن تبتسم للناس حتى تجدهم يبكون بحرقة ، والدموع حينها نوعان إما أن تكون دموع الفرحة أو دموع اللوعة والفرقة. الحاجة هدى محمد النمورة ،امرأة باتت على أعتاب السبعينات من العمر بعد أن تجاوزت ستة وستين عاماً قضت نصفها تعاني من مرض القلب وتصلب الشرايين ، وعشرة منها قضتها تعاني مرارة الحرمان واللهفة على ولديها أكرم وأنيس الذين اختطفهما الاحتلال من أحضانها ليحيوا حياة الأسرى في ظلمات السجون المتراكبة بعضها فوق بعض . حكم الاحتلال حكماً بالسجن مؤبدين لنجلها أنيس، قضى منهم 10 سنوات و3 شهور، أما نجلها أكرم فحكم بالسجن مؤبداً و25 سنة، قضى منهم 10 سنوات وتهمة الاثنين الانتماء للمقاومة، وقتل ضابط من قوات "شمسون" الصهيونية الخاصة . تحرر في صفقة "وفاء الأحرار" التي جرت بالتبادل بين الجندي الصهيوني جلعاد شاليط و(1027) أسيراً من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ، خرج منهم حتى اللحظة (450) أسيراً من ذوي المحكوميات العالية كان أكرم وأنيس من ضمنهم ، وينتظر تحرير البقية خلال أيام . "كان موقفاً مؤثراً وغريباً وكان لقاء حاراً بعد 10 سنوات من البُعد والحرمان خلف سجون الاحتلال" ، هكذا وصف الأسير المحرر أنيس لحظات اللقاء الأولى بوالدته على معبر رفح البري قبل أسبوع واحد من وفاتها . مضيفاً ودموع حارة تكاد تخنق عينيه :" دخلت المعبر تتكئ على عكازها بخطاها المتثاقلة، وما أن رأتنا حتى ألقت بعكازها أرضاً، وارتمت في حضنينا تقبلنا بكل شوق وحنين" . وقد خرجت الحاجة في رحلة شاقة رغم مرضها شوقاً لرؤية ابنيها المحررين في قطاع غزة ، لتبدأ رحلة التعب والمعاناة من الخليل مروراً بأريحا عبر جسر اللمبي حتى نقطة الحدود مع معبر الأردن، ثم مطار القاهرة وبعدها إلى معبر رفح، إلى أن كانت ساعة اللقاء صباح السبت. " أشكر الله الذي حقق لها أمنيتها التي لطالما حلمت بها، برؤيتي وأخي أكرم وتكحيل عينيها بنا قبل أن توافيها المنية" يقول أنيس. كانت الحاجة النمورة متفائلة طوال فترة أسر ولديها أن يفك الله أسرهم ، وكثيرة هي الليالي التي قضتها تدعو الله أن يفك قيدهم ، وكانت تعوّل كثيراً على المقاومة الفلسطينية على أنها القادرة على تحرير ولديها وكل الأسرى في السجون الصهيونية . "جاءت أمي إلى غزة تحلم بتزويجنا؛ لنبني مستقبلنا وتطمئن علينا قبل رجوعها إلى الأهل في دورا الخليل"، لكن قدر الله كان غالباً، والحمد لله أن أكرمنا برؤيتها؛ رغم أننا لم نصحُ بعد من حُلمنا" يقول المحرر أكرم وعيناه تغرورقان بالدموع . الحاج محمود طلب النمّورة لامست سنوات عمره حاجز الثمانين عاماً وهو زوج الفقيدة ووالد المحررين وهو مريض بالسرطان، يصف شعور زوجته الفقيدة عند سماع خبر إتمام الصفقة وخروج أكرم وأنيس فيقول :" رغم المرض والمعاناة، إلا أنها شعرت بالسعادة الغامرة وقت سماعها نبأ الإفراج عن فلذات أكبادها ضمن صفقة التبادل، وبدأت تنتظر الساعة التي تلتقي فيها بأبنائها". كانت الحاجة نمورة وعلى الرغم من كبر سنها ومرضها الذي أنهك جسدها إلا أنها تكابر على نفسها وتحضر لزيارة أكرم وأنيس كلما سمح لها الاحتلال بالزيارة . بيت العزاء الذي أقيم في غزة يؤمه مئات الغزيين ، بنَفْس نَفَس الوفاء الذي استقبل فيه الأسرى ، يتوافد الجميع ليؤدوا واجب العزاء لأنيس وأكرم المحررين ووالدهم الذي فقد شريكة عمره على أرض غزة التي ضربت مثلاً جديداً يضاف إلى ما أضافته للعالم من نماذج لا مثيل لها إنه نموذج الوفاء لمن بذل الغالي والنفيس من عمره من أجل بناء وطن عزيز.