16.64°القدس
16.41°رام الله
14.34°الخليل
19.13°غزة
16.64° القدس
رام الله16.41°
الخليل14.34°
غزة19.13°
الأربعاء 25 ديسمبر 2024
4.57جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.79يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.57
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.79
دولار أمريكي3.65

خبر: احْتلال ما بعد الحداثة

الاحتلال في الألفية الثالثة ليس كما سبقه عبر التاريخ بمختلف الأزمنة، فالآن ثمّة مَنْ يستفيدون من منجزات العلم والمعرفة على نحو سلبيّ، كأنْ يتمّ توظيف السايكولوجيا وعلم الاجتماع لتكريس الاحتلال، وهذا ما يجعله مُموّهاً إلى حدّ ما، بحيث لا يكون المقياسُ حضورَه العَسْكري السّافر أو سيطرته المباشرة . ومن المعروف أن هناك احتلالات عن بُعد، تُدار بالريموت كنترول من وزارات حرب كان اسمها حتى وقت قريب وزارات المستعمرات . سيايكولوجياً حاول الاحتلال الصهيوني أن يخلق لدى العرب ما يسمى في علم النفس حالة مُزْمنة من الإرْهاق العاطفي الناتج عن الانتظار الطويل، والهدف منه هو التيئْيس، وإلقاء حمولة القضية كلها على المستقبل أو على أية قوة تزعم أنها وحدها التي تحلّ وتربط وتَحْتَكر القَرار الدّولي بما لديها من تمدّد وهَيْمنة وترهيب . ومنذ الأسبوع الأول للاحتلال العام 1948 شاع بين اللاجئين بأنهم عائدون في غضون أسابيع أو أشهر على أبعد تقدير، ثم مُددت هذه الفترة بمهارة إعلامية وَبِعَزْف على أشدّ الأوتار حساسية لدى الإنسان وهو المتعلق بعودته إلى حيث كان، واسْتِرْداد المَسْروق منه . ولأن المُتَوالية درامية بامتياز، فقد أضاف التاريخ إلى اللاجئين والنازحين مُصطلحاً جديداً بعد حرب الخليج الثالثة هو “العالقون” . . وهذه الفئة الثالثة مكثت في الصحراء وعلى ثغور الدول العربية زمناً طويلاً حتى تدخّل العالم، وعرضت دول عدة على العالقين استقبالهم، ومنها البرازيل . إن ما نخشاه من تصاعد هذا النمط النفسي والعاطفي والسياسي من الإرْهاق هو غسل اليدين من أي حلٍ عادل، ومن أي سلام غير منقوص . فالسلام الذي جُرّبتْ منه طَبعات غير شَعْبية على الإطلاق، مايزال منْزوع الفاعلية، ومثاراً لشكوكٍ لا آخر لها عن جدّيته وَجَدْواه . والمسألة السايكولوجية الثانية التي وُظفت سياسياً هي ما يسمى التعلم الشرطي وهي نظرية منسوبة إلى عالم النفس “بافلوف”، والربط حسب هذه النظرية القابلة للتهجير من عالم الحيوان إلى عالم البشر، هو بين صوت الجرس والطعام، فهما يقترنان بالنسبة إلى الحيوان، وحين يُدْمِنهما معاً، ثم ينقطع عنه الطعام يسيل لعابه لكن بلا طائل . ولا أظن أن “بافلوف” كان بعيداً عن خلفية المشهد السياسي قَدْر تعلقه بالصراع العربي الصهيوني منذ ستين عاماً، وعاد ليلَوّحَ في خَلْفية المَشْهد في مؤتمر مدريد، ثم لاحَ بعد ذلك مرات عدة، بحيث تبدو سلطات الاحتلال وكأنها على وشك تسليم المفاتيح لأصحابها . وأفضل تعبير عن هذه الكوميديا السوداء كان لصحافي فرنسي لم ينخدع بالصهيونية وأجراسها، حين وصف التفاوض بين الفلسطينيين ومَنْ يحتلّون أرضهم، كما لَوْ أن المُحْتلّ يجلس قرب مدفأة الحائط في يوم بارد، وَيُقَشر الكستناء ويقرأ الميثولوجيا التوراتية، بينما وقف الفلسطيني في العراء خلف النافذة تحت وابل المطر والصقيع . وكان يقصِد أن المحتل ليس في عجلة من أَمْرِه لأنه يريد كَسْبَ الوَقْت لتكريس احتلاله، بعكس الطرف الآخر الذي ينفد صبره عِند أوَل ارتطام للكوز بالجرّة .