16.64°القدس
16.41°رام الله
14.34°الخليل
19.13°غزة
16.64° القدس
رام الله16.41°
الخليل14.34°
غزة19.13°
الأربعاء 25 ديسمبر 2024
4.57جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.79يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.57
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.79
دولار أمريكي3.65

خبر: العمل الفعال

أن تصلح بين اثنين متخاصمين فهذا عمل صالح، لكن أن تقدم برنامجاً اجتماعياً يبحث في أسباب المشكلات الاجتماعية ويقدم أفكاراً لتعزيز ثقافة الوفاق والتسامح فهذا عمل صالح وأكثر فعاليةً.. أن تطعم أسرةً فقيرةً أو عدة أسر فهذا عمل صالح، لكن أن تقدم أفكاراً إبداعيةً لحل مشكلة البطالة، وتوفير فرص عمل للعاطلين، فهذا عمل صالح متعدي النفع، وهو أكثر فعاليةً وأكثر أجراً إن شاء الله. أن تمد يد العون لشاب مقبل على الزواج فهذا عمل صالح لكنه لا يحل مشكلة مغالاة الناس في المهور وتكاليف الزواج، والعمل الصالح الفعال هو أن تساهم في تعزيز ثقافة تيسير الزواج وهدم القيم الجاهلية المعششة في عقول الناس التي تدفعهم إلى المغالاة في مهور الزواج وتكاليفه فهنا تمد يد المساعدة لأجيال كاملة وليس لشاب واحد.. أن تمد يدك إلى كيس قمامة ألقي في الطريق فتميطه فهذا عمل صالح..لكن ما هو خير منه هو أن تقدم فكرةً للقضاء على القمامة من أصلها عبر جمعها من البيوت قبل أن تصير قمامةً وتوزيعها على مصانع لإعادة تدويرها والاستفادة منها فهذا عمل صالح وفعال أيضاً.. العمل الأول يعود بالأجر على صاحبه في المقام الأول وربما يساهم في تنظيف مساحة محدودة جداً من الشارع، وهو حل يقوم على ترحيل المشكلة إلى مكان آخر، لكن العمل الثاني يتعامل مع جذور المشكلة ويقدم حلاً جذرياً لاجتثاثها فيكون الخير العميم عائداً على المجتمع والبيئة.. يوضح المثل الصيني فكرة الفاعلية التي نقصدها، فيقول: إذا أعطيت الفقير سمكةً أشبعته مرةً واحدةً، ولكن إذا أعطيته سنارةً أشبعته طول حياته.. العمل الصالح العادي هو عمل مشكور عليه صاحبه لأنه يقصد من ورائه الخير، لكن المجتمع لا يتقدم بمثل هذه الأعمال وحدها، لأنها أعمال فردية، والعائد من ورائها محدود، كما أن هذه الأعمال تتأقلم مع واقع المشكلة وتسلم بوجودها وتتحرك ضمن دائرتها، بخلاف العمل الفعال الذي يسعى إلى إحداث انقلاب جذري وتقديم حلول شاملة تساهم في القضاء على المشكلة من أساسها.. الفاعلية تعني الأثر الاجتماعي العائد من وراء العمل، وهي مقياس مهم إسلامياً، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس"، فكلما كان العمل أكثر فاعليةً وأكثر تحقيقاً لمصالح الناس كلما كان أرجى عند الله بالقبول، وبالتأكيد فإن العمل المؤسسي المخطط سيعود بفوائد أكبر على المجتمع من عمل فرد واحد إذا صدقت النيات، وكلمة واحدة يتحدث بها أحدنا في فضائية يشاهدها الملايين أنفع للناس من خطبة مطولة لا يحضرها سوى بضعة آلاف. والفاعلية يقتضيها علو الهمة الذي يحثنا عليه الإسلام، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها"..وعالي الهمة لا يرضى إلا بما يحقق أفضل نفع وأكبر خير للناس.. إن الإنسان ما ينبغي أن يبحث عن الخلاص الفردي وحسب، أو على إسقاط الفريضة عنه بالمعنى السلبي القائم، بل إن عليه أن يتحرى أكثر الوسائل والسبل لنفع الناس ولنشر الخير العميم ولمعالجة المشكلات من جذورها لا من أعراضها.. والعمل الفاعل لا يقصد به الكمية وحدها، بل النوعية قبل الكمية..لأنك تجد كثيراً من الشباب المسلم يحسن التعامل مع الوسائل الحديثة من فضائيات وانترنت، ويبدع في إيجاد وسائل لإيصال صوته لأكبر عدد ممكن، لكن المحتوى الذي يقدمه هو ذاته ليس ذا فاعلية كبيرة، فمثلاً لا يكاد يمر يوم إلا وتصلني عبر البريد الالكتروني رسائل من شباب لا تنقصهم الحماسة للدين يحثونك فيها على المسارعة للتصويت في أحد المواقع للحيلولة دون قرار لمنع النقاب أو الحجاب في إحدى الدول، أو يدعونك للمشاركة في حملة المليون استغفار أو المليون صلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ويستحلفونك بالله أن تمرر هذه الرسالة على كل قائمتك البريدية، ومنهم من يحذرك بأنك إن لم تمرر رسالته فإنك مقصر بحق الدين، وأنه سيقاضيك أمام الله يوم القيامة، وأنا لا أريد أن أغلق باباً للخير، ولكني أشك أن تكون هذه هي الطريقة المثلى لخدمة الدين، فماذا لو حشدنا الملايين لهذا الاستغفار الشفوي، ماذا يكون بعد ذلك، والمؤسف أن بعض الشركات الغربية تستغل سذاجتنا وتسخر منا فتتعمد وضع مثل هذه الاستفتاءات على مواقعها من أجل جذب الشهرة إليها، ونحن لا نقصر في الترويج لهذه المواقع ونحسب أننا نخدم ديننا، وهي في حقيقتها مواقع مغمورة لا علاقة لها باتخاذ القرار في بلادها.. الاستغفار الفعال هو أن نصحح مسار حياتنا وأن نعقد مراجعةً شاملةً لكل أخطائنا فنتوب إلى الله جميعاً منها، لا أن نردد بألسنتنا ملايين المرات الاستغفار الشفوي.. كم كان استغفار ألفرد نوبل رائعاً حين أراد أن يكفر عن خطيئته باختراع الديناميت فخصص جائزةً سنوية لمن يقدم أفضل عمل في سبيل خدمة البشرية..إننا بحاجة إلى هذا النوع من الاستغفار الفعال!!.. لا يكفي أن تكون عندنا حماسة لديننا بل إن المطلوب أيضاً هو أن نتحلى بالوعي الكافي لبذل هذه الطاقة في اتجاهها الصحيح الذي يعود بأكبر نفع على المجتمع والأمة.. "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".. والله أعلم