ما فعلته اللجنة الأولمبية القطرية في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية العربية في الدوحة قبل أيام بعرض خارطة منقوصة لفلسطين التاريخية كان أمراً غير مسبوق ولم يتجرأ عليه أحد، ومرفوض ومدان جملة وتفصيلا وبلا تردد، ولا مبرر أو عذر له تحت أي ظرف. هذا من الناحية الأخلاقية والوطنية، لكن وقفة بسيطة مع الأحداث والمواقف والسياسات المعتمدة والمسجلة فلسطينياً وعربياً، تستوقفنا بعض التفاصيل، التي تجعل مما فعلته اللجنة الأولمبية القطرية وبحضور رئيس السلطة عبّاس وتصفيقه، تجعل منه أمراً طبيعياً لدى البعض الذي ثار ويستثير غيره على خارطة فلسطين المنقوصة والمقزمة – ونكرر أنه فعل مدان ومرفوض جملة وتفصيلا – لكن يحق لنا هنا أن نعرض لمواقف هذا البعض – الفتحاوي والسلطوي تحديداً وكل فصائل منظمة التحرير، والدول العربية الأخرى أيضاً! لقد صدّع عبّاس ورهطه ووكالته المستقلة جداً التي تقود الحملة على الآخرين ضد خريطة فلسطين المنقوصة رأسنا باستحقاق أيلول وبالشرعية الدولية والاتفاقات والمعاهدات، بل طار وما زال عبّاس وباقي رهطه حول العالم ومن دولة لأخرى ليقنعوهم بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، ويولون اليوم على الخارطة المنقوصة. قبل أن نلوم غيرنا، ونحن لسنا فقط نلوم بل ندين – علينا بمراجعة النفس، بمحاسبة أنفسنا قبل أن نتوجه لافتعال معركة جانبية وان كانت محقة، نترك الأصل ونتمسك بالفرع، وهنا لابد من تسجيل التالي: - تبنت منظمة التحرير عام 1974 البرنامج المرحلي – بداية مسلسل التنازل - انطلقت مفاوضات مدريد على أساس قرارات الأمم المتحدة – 1967 في صلبها - وُقعت اتفاقات أوسلو على أساس أراضي عام 1967 - اعترف عرفات بصفته رئيساً لمنظمة التحرير وقائداً لحركة فتح بما يُسمى اسرائيل في 09/09/1993 خطياً وبتوقيعه مما يعني التفريط الرسمي ب 78% من فلسطين التاريخية - جميع مناهج السلطة الفلسطينية لا تعتبر مدن وقرى وبلدات فلسطين التاريخية عام 1948 جزء من دولة فلسطين - هتافات وشعارات السلطويون والفتحاويون – فلسطين من جنين شمالاً وحتى رفح جنوباً – لا نسمعهم إطلاقاً يقولون من الناقورة إلى أم الرشراش مثلاً أو من النهر إلى البحر - الدولة التي يسعون إليها أقل مما عرضته قطر – هم يتحدثون عن الأراضي المحتلة عام 1967 مع تبادل متفق عليه - طلب عبّاس الأخير في الأمم المتحدة للحصول على دولة مسخ في حدود العام 1967 - لا يجرؤ أي من رموز سلطة أوسلو كبارهم وصغارهم على التصريح أو التلميح أن فلسطين التي يطالبون بها هي فلسطين التاريخية كيف يمكن بعد ذلك الحديث عن امتعاض وانزعاج من قبل هؤلاء على الفعل المدان من قبل اللجنة الأولمبية القطرية؟ يقول أحد الكتاب تعليقاً على الضوضاء الفتحاوية: "لا أستبعد أن تكون السلطة الفلسطينية هي من طلبت عرض تلك الخارطة عوضاً عن عرض خارطة فلسطين التاريخية لأنها لا تريد أن تُزعج الغرب منها، فالسلطة تحاول ومنذ وقت طويل، وخصوصا بعد تولي فياض رئاسة حكومة رام الله، التوقف عن التحريض ضد الكيان بطلب صريح من أمريكا والكيان نفسه وإثبات حسن نواياها ليتم التفاوض معها ومدها بالمال، فلا يُعقل بعباس أن يتكلم عن قبوله بـ 22% فقط من الأرض و يعترف بالباقي للكيان ومن ثم يعرض خارطة فلسطين الكاملة، فهذا يعني بأنه لا يعترف بهم بل ويريد محوهم عن الخارطة وذلك يعني تحريضاً صريحاً على الكيان وتخلياً عن اتفاقياته معهم. فما فعلته قطر هو مجرد انعكاس لما تطالب به وتقبله السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وان كان الفتحاويون بالفعل لا يقبلون بما قامت به قطر، ويرفضون التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، فعليهم أن يخرجوا من حالة الإنكار وأن يطالبوا قيادتهم بمراجعة مواقفها القديمة الجديدة وأن يعلنوها صراحة بأنهم لا يعترفون بالوجود الصهيوني على أي شبر من أراضينا الفلسطينية". الضوضاء السلطوية الفتحاوية لا تنطلق من أخلاق أو وطنية أو حرص على الحقوق التي فرطوا ويفرطون بها ليل نهار، لكنها من باب المناكفات وتصفية الحسابات والمزاودة على الغير، لكن في الوقت نفسه لا يمكن فهم أو تبرير موقف فصائل المقاومة التي لم تكلف نفسها عناء حتى التعليق على هذه الخطيئة، ولم تستفزها الخارطة المنقوصة التي أصابت كل فلسطيني حر في صميم قلبه. فصائل المقاومة والشخصيات الوطنية والاعتبارية وكأن الأمر لا يعنيها أو كأنها لم تسمع أو تشاهد ما يجري، تركت الأمر للمزاودين المفرّطين، الأمر ليس شأناً عابراً أو حادثة عرضية، بل هو ترسيخ لمفهوم ومبدأ خطير تسعى إليه سلطة أوسلو وبكل قوتها، وأول ضحاياه حقوقنا وقضيتنا، وإن كانت فصائل المقاومة تتحدث ليل نهار عن فلسطين التاريخية وعن كل ذرة وحبة رمل، أين هي اليوم من هذا التعدي الصريح على حقوقنا والاستفزاز غير المسبوق لملايين شعبنا خاصة من اللاجئين في الشتات؟ المباديء لا تقبل القسمة أو المجاملات، وكما ندين الفعل ومن قام به وحرّض وسعى إليه، فإن الصمت والسكوت مدان بدوره، حتى وإن كان العذر حساسية الموقف والعلاقات الخاصة، ذلك لا يمنع إطلاقاً تحديد الموقف ورفض الاهانة وبالشكل الذي يتناسب مع العذر إن وُجد! ما قامت به اللجنة الأولمبية القطرية يدق نواقيس الخطر بأن التوجه اليوم هو لتثبيت التقزيم والتحجيم لفلسطين التي نعرفها، والقبول الفلسطيني الرسمي بذلك، وإن مر هذا الفعل المدان والمرفوض دون وقفة جادة وحقيقية من الجميع، فسيتبع قطر غيرها، وستصبح أمراً واقعاً، لا شك لدينا أن سلطة أوسلو تروج له وترغب به. الرفض والادانة لا توجه فقط للجنة الأولمبية القطرية، والمطالبة بالاعتذار والتصحيح – وهذا أقل من القليل، لا يُطلب فقط من قطر، لكن علينا أن نصحح الانحراف والخطيئة التاريخية التي أقدمت وتقدم عليها كل يوم طغمة أوسلو المتمثلة في القيادة المتنفذة للسلطة وفتح، وهذا لا يعني إطلاقاً تبرئة المسؤولين القطريين من هذا الفعل المعادي للشعب الفلسطيني وحقوقه. لا نامت أعين الجبناء
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.