18.62°القدس
18.1°رام الله
17.75°الخليل
19.78°غزة
18.62° القدس
رام الله18.1°
الخليل17.75°
غزة19.78°
الخميس 09 مايو 2024
4.63جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.98يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.63
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو3.98
دولار أمريكي3.7

خبر: ذاكرة الغرْبال

إذا كان الغربال لا يحجب ضوء الشمس، كما يقال، فمن باب أولى ألا يحجب حقيقة الفارق بين القمح والزؤان، ولعل شيئاً كهذا خطر ببال ميخائيل نعيمة عندما ألف كتاباً بعنوان “الغربال”، وكان هدفه المباشر من هذه التسمية النقد، وفرز الغث من السمين . ويبدو أن الذاكرة لها غربالها أيضاً، لكنه أحياناً مشدود وصارم، وأحياناً متسع الثقوب ورخو بحيث يتسرب منه الصالح والطالح معاً . والذاكرة العربية الآن تعاني اتّساعاً في ثقوب غربالها . فهي محتلة بالراهن على كل مساوئه، ونادراً ما تختزن ما هو أبهى وأعمق في تاريخنا وتراثنا . ولأن الذاكرة لا تخضع إلى ابتكار أو تصنيع كالماضي تماماً، فإنها محكومة بما اختزنت من خلال القراءة والاستماع . وما نلاحظه أن الطافي على سطح هذه الذاكرة المهجورة هو قليل من الشائع والمتداول، لكن أهم ما جرى في هذا التاريخ وتحت هذه السماء، حذفه الزمن وأصبح كأنه ضرب من الخيال، فلو قرأ العرب المعاصرون تاريخهم أو بعضه على الأقل، لما أدهشهم ما يحدث الآن، ليس فقط لأنه حدث على نحو ما، وربما بقسوة أشد، بل لأن جذور ما يحدث ليست ابنة البارحة أو قبل قرن، إنها ضاربة في التاريخ خصوصاً في فتراته الحالكة، وهل ستستمر دهشة العربي من حروب الطوائف الآن إذا قرأ حقبة ملوك الطوائف الأندلسية؟ وهل سيبقى حائراً ومذهولاً إذا قرأ صفحات فقط من ابن الأثير أو الجبرتي أو ابن إياس؟ لقد كتب هؤلاء وغيرهم ما نعفّ عن ذكره لفرط قسوته، ومنهم كابن إياس، من قال في بدائع الزهور إن الجوع بلغ في زمنه إلى الحد الذي اصطاد فيه الناس بعضهم بدلاً من السمك والحيوان . ومن هؤلاء من تمنّى لو أن أمه لم تلده كي يرى ما رآه في عصره، كما قال ابن الأثير . إن المفارقة هي في هذا التخارج كنقيض للتّداخُل بين تقدّم الذاكرة التكنولوجية، وتقنية الأرشفة العالية، وبين تحول النسيان، أو بمعنى أدق التناسي، إلى حرفةِ للذاكرة . فما من أحد يسأل أحداً عما قال أو علّق أو كتب قبل عام أو حتى قبل شهر . أما الخجل وهو سمة آدمية بامتياز، فقد شح في أيامنا بحيث لم يعد يشعر به من يقول إن الأرض كروية صباحاً، ثم يقول إنها مستطيلة أو شبه منحرف عصراً . فأي استخفاف هذا، سواء بنا كبشر، أو بذاكرتنا التي لم يدركها الزهايمر بعد؟ وكيف نصدق أن الجلاد والضحية يقتسمان قميصاً واحداً ولساناً واحداً لكن بشعبتين، وحذاء واحداً أيضاً؟ إنها ذاكرة بحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل شرط أن تبدأ من العودة إلى التاريخ الذي يتكرر على نحو تراجيدي أو كوميدي، أو كليهما كما يحدث الآن .