كانت القاعة تتوشح أحلى زينتها، اصطفت فيها الكراسي بشكل أنيق ، كان البياض يكتسح المكان ، ارتفعت البالونات بلونيها الأبيض والأزرق ، الحلويات والفاكهة صفت بشكل متناسق ، وبدا كل شي وكأنه يرقص في مكانه ، فالحدث مهم . تم توجيه دعوة عامة لنساء المدينة ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإذاعات المحلية، حانت الساعة الثالثة عصر الاثنين، فارتدت وشاحها الأخضر واستعدت لاستقبال ضيفاتها، بوجهها الطلق البشوش، وقامتها المنتصبة دائما . كانت عيناها تنبئان عن تلك الفرحة التي تستقر أعمقاها، كيف لا وهذا اليوم انتظرته منذ زمن طويل ، فلطالما انتظرت يوم قدوم طفل ذكر لابنها "زياد " ، لكن هذه الفرحة تأخرت عليها أربعة عشر عاما. لكن صبرها أثمر خيرا ، فبقدوم " عمر ويوسف " رزقت أم حسن عزما لتكمل مشوار حياتها الصعب، ورغم فقدها لاثنين من أبنائها العشرة شهداء ، إضافة لاعتقال الاحتلال أبنائها الثمانية وإصداره أحكام عالية بحقهم ، وهدم بيوت بعض منهم ، إلا أن قلبها ما زال يحتوي مكانا للفرح. "عمر ويوسف زياد القواسمي " أشرقا بوجههما للدنيا عبر نطفة مهربة من خلف قضبان السجن، وجلبا معهما شعورا كادت تنساه خنساء الخليل وعائلتها الكبيرة. وضعا في سريريهما الصغيرين في المستشفى، وأحاطت بهما صور والدهما وأعمامها الشهداء والأسرى، فكانا رمزا لاستمرارية الحياة ، وتعاقب أجيال تحمل نفس الهم والقضية. "عمر ويوسف" فرحة مسروقة من خلف القضبان، وحلما تحقق رغم إرادة السجان ، أم حسن التي أغشي عليها فرحا لحظة سماعها صرخات "عمر ويوسف " التي أعلنت قدومهما لحياة ، تتحدث عن فرحها وكأنها ما ذاقت حزنا قط . وأبو حسن الجلد الصبور سقطت دموعه رغما عنه فرحا بقدوم الحفيدين الجدد، واللذين اعتبرهما تعويضا ربانيا عن ابنيه الشهيدين. "يوسف "أسمته جدته أم حسن تيمنا بسيدنا يوسف عليه السلام، أما "عمر" فقد أوصى أبيه بتسميته طمعا أن يكون له من اسمه نصيب. كان الهاتف وسيلة التواصل اليتيمة مع " زياد" في هذه اللحظات، وكان الهاتف أيضا هو وسيلة إحياء لسنة الحبيب المصطفى ، فلقد استطاع زياد من زنازين سجنه في معتقل نفحة الصحراوي ، أن يوصل صوت الأذان والإقامة لأذني الطفلين. ربما تبقى لأبيهما زياد أقل من عام لينهي أربعة عشر عاما من الاعتقال ، وربما سيظل حتى يوم الإفراج عنه محروما من احتضانهما، لكنهما أصبحا حقيقة بعد أن كانا حلما، وتحديا جديدا ينجح به الأسير أمام سجانه. لم يكن " عمر ويوسف " الأوليين القادمين للدنيا بنطفة مهربة، ولن يكونا الأخيرين بإذنه تعالى، فعلى الأرض هنا إرادة تكبر وتنمو وتتحدى كل جبروت الظلم والاحتلال، ورغبة جامحة بالحياة واستمراريتها ، فديدنهم العمل للآخرة كمن يموت غدا، والجد في حوائج الدنيا كمن يعيش أبدا . [img=122014/view_1418198997.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] [img=122014/view_1418199033.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] [img=122014/view_1418199035.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] [img=122014/view_1418199022.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] [img=122014/view_1418199027.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img] [img=122014/view_1418199031.jpg]ضع تعليق الصورة هنا[/img]
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.