بعيدًا عن خيام النقب وزنازين نفحة وعوفر، عاد الأسرى المحررون للحياة التي تركوها سنوات طويلة رغمًا عنهم..عادوا بعزيمة قادرة على تحريك الجبال، بعد أن فشلت القضبان في دفعهم لليأس والقنوط. وفي المقابل هناك الكثير من الشباب الذين لم يعانوا تجربة السجن يرون الحياة أنها توقفت ويستسلمون لأول عقبة يمرون بها بعد التخرج. ومن هنا التقت "الشباب" بعدد من الأسرى المحررين الشباب لتتحدث إليهم عن مشاريعهم المستقبلية التي أوقفها الاحتلال لسنوات دون تحقيقها داخل الأسر ليكونوا قدوة لغيرهم من أبناء جيلهم. [title] العبرية والإنجليزية[/title] المحرر المسيحي ابن مدينة بيت لحم كريستان البندك (32 عامًا) اعتقل وهو في عمر الـ 24 عامًا، وهو عمر يحلم فيه أي شاب بتكوين حياته الأسرية، وإكمال دراسته الجامعية لكن رغم أن الاحتلال حرمه من ذلك إلا أنه لم ييأس أو يغلق على أحلامه، إذ تعلم اللغة العبرية وقرأ الكثير من الكتب وتعلم من تجارب قدامى الأسرى. ويقول البندك لـ"الشباب" وهو يقلب في هاتفه المحمول ذي التقنيات التكنولوجية المتميزة: "قبل اعتقالي رسمت في مخيلتي أحلامًا كثيرة أردت تحقيقها لكن قضبان السجان حاولَت إيقافها، لكن بعزيمتي استفدت من وقتي وحاولت التكيف مع عالمي الجديد". وبعد أن تذوق البندك طعم الحرية عاد ليضيف: "بعد الإفراج عني سأبدأ بمرحلة الاستقلال الذاتي وبناء الثقافة الفكرية والعزيمة لإكمال ما كنت أحلم به؛ حيث سأكمل دراستي الجامعية بقسم العلوم السياسية"، متابعًا: إذا تعرضت للفشل فسأدرك أنها ليست نهاية المطاف وسأحاول مرارًا حتى أنال ما حلمت به. وبابتسامته التي كثيرًا ما قهرت سجانه نصح البندك الشباب الذين في مقتبل عمرهم أن الإنسان بلا أمل لا يمكنه العيش وعليه أن يحاول ويتعلم من عثراته فإنهم لن يخسروا شيئًا بل تزداد معرفتهم من خلال ما يمرون به من تجارب. وعلى مقربة من البندك يجلس المحرر المبعد خويلد رمضان (34 عامًا) في طلّة توحي بالوقار والهيبة، فقد تحدث بكلمات يملؤها الأمل والعزيمة قائلا: "حينما اعتقلت كنت أدرس الهندسة التي تمنيت الحصول على شهادتها والعمل بها ، وبعدما أفرج عني أول ما فكرت به هو إكمال دراستي؛ حيث التحقت بالجامعة الإسلامية بكلية الهندسة لتحقيق ما أصبو إليه"، موضحًا أنه عند دخوله السجن خشي فقدان الأمل لكنه استدرك نفسه وعاد إلى حيويته وبات يعمل بجد حتى نمّى مهاراته باللغة الإنجليزية وكذلك أحكام التجويد وكثير من الدورات التثقيفية. وبكلماته الرزينة دعا الشباب الذين يشعرون أن الحياة توقفت واستسلموا لها قائلا: "عليكم بالإيمان بالله فذلك يريح النفس، بالإضافة إلى تحمل الضغوط إذا أغلق أحد الأبواب في وجوهكم". [title]الإدارة والوقت[/title] ضيفا "الشباب" المحرران السابقان كان حلمهما الحصول على درجة البكالوريوس، لكن الوضع هنا مغاير لابن مدينة طوباس المحرر مازن فقهاء (32 عامًا)؛ فهو دخل السجن بعد حصوله مباشرة على شهادته الجامعية في إدارة الأعمال في الوقت الذي كان مطاردًا، والآن وبعد التحرير يحلم باستكمال درجة الماجستير التي هيأ نفسه لها كثيرًا داخل سجنه لكن وفق القوانين مُنِع. تحدث فقهاء أنه لم يسمح لقضبان العدو أن تحطم أماله؛ فقد طبق ما درسه في جامعته داخل السجن واستفاد كثيرًا في بناء العلاقات مع زملائه، داعيًا الشباب إلى وضع أهداف واضحة لإمكانية تحقيقها بشكل جيد دون تكلفة أو معاناة. لم يضيع المحرر وقته داخله السجن فربما كانت دراسته الجامعية لها الأثر أن تجعل منه شخصًا متزنًا لا يشعر باليأس، فقد كان رفيق دربه طيلة سني سجنه هو الأمل الذي جعله يحفظ كتاب الله، إلى جانب مساعدته لزملائه في مراجعة بعض الدروس وإعانتهم على حفظ القرآن، متعجبًا من حال الشباب الذي لم يتذوق طعم الأسر وينعم بالحرية دون استثمار وقته وجهده في صناعة نفسه ليكون شابًّا يُقتدى به ويفخر مجتمعه بوجوده. ويصف فقهاء حاله بعد التحرير أنه خرج من مرحلة الأحلام إلى الأفعال لتجسيدها على أرض الواقع ويحصد ثمارها بكل الوسائل المتاحة له من القناعة والطموح المنطقي لخدمة القضايا العامة، ناصحًا الشباب بالجمع بين القضايا العامة والخاصة بعيدًا عن التحيز والشعور بالأنانية والابتعاد عن التعصب. وفي حكاية أخرى للمحرر الشاب ابن مدينة الخليل محمود القواسمي (31 عامًا) فقد دخل السجن تاركًا خلفه مهنة "التبليط" لكن حينما اختلط بزملائه الأسرى أدرك أهمية العلم وبات يحفظ آيات القرآن ويتعلم أحكامه ويغذي نفسه بما يقع بين يديه من كتب جعلته يحول سجنه إلى حياة مليئة بالمعرفة رغم ظلمته. حاول الحصول من داخل سجنه على شهادة الثانوية العامة لكن مع كل مرة كان يتهيأ فيها كان يقف له الاحتلال بالمرصاد ويمنعه. وبابتسامة رمق فيها زوجته التي تجلس بجانبه قال: "سأكمل دراستي برفقة زوجتي حتى نصل لأعلى الدرجات ويفخر بنا أبناؤنا، فالسجن كان نقطة تحول مهمة في حياتي، وعلى الشباب استغلال شبابهم بالاجتهاد والمثابرة كي يحصلوا على ما يتمنونه". وفي الختام هي دعوة منا لكم أيها الشباب عمادَ المستقبل أن تستغلوا حريتكم التي تنعمون بها وتحاولوا الوصول لما تسعون إليه من خلال عزيمتكم ومثابرتكم للارتقاء بأعلى المناصب.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.