تحتفل حركة حماس في الذكرى الرابعة والعشرين على تأسيسها في أجواء ومناخات فلسطينية وعربية مضطربة وغير اعتيادية، حيث تدور في العديد من البلدان العربية تحولات مختلفة ذات مضامين سياسية بالدرجة الأولى، كما تدور معها تحولات دولية في ظل بوادر صعود أولي لقوى جديدة في الخريطة الدولية، وتراجع بعض القوى، ومنها بعض دول غرب أوربا الغارقة في أزماتها المالية والاقتصادية. كما تحتفل حركة حماس في ذكرى تأسيسها وقد سارت في قطوع ومسارات معقدة طوال تلك السنوات الحافلة والزاخرة بالحيوية والامتلاء، والزاخرة بالأزمات والاستعصاءات التي تلخص في جوهرها ومضمونها تعقيدات الوضع الفلسطيني ذاته، كما تلخص تعقيدات القضية الفلسطينية والصراع المستديم الجاري في المنطقة منذ عقود طويلة مع المشروع التوسعي الاستيطاني الاجلائي الصهيوني على أرض فلسطين. [title]حماس وفتح وتزامن في الذكرى[/title] ومن مفارق الصدف، أن تترافق احتفالات حركة حماس بانطلاقتها، بتزامن قريب جداً مع احتفالات حركة فتح بذكرى انطلاقتها مع انبلاج فجر العام الجديد، حين نفذت أولى عملياتها الفدائية بنسف نفق (عيلبون) في الجليل الأعلى شمال فلسطين المحتلة عام 1948 في الفاتح من يناير 1965، والتي أعلنت من خلالها انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة. ان حركة حماس في فلسطين والتي وزعت بيانها التأسيسي فجر الخامس عشر من ديسمبر 1987 في قطاع غزة، لم تأت من دون جذور، فتعود نشأتها في جذورها إلى الأربعينيات من القرن الماضي، فهي امتداد لحركة الاخوان المسلمين. وكانت حركة حماس، تأسست عام 1987 عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى من فرعي الاخوان المسلمين في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث كان فرعا الاخوان المسلمين في قطاع غزة والضفة الغربية حتى ذلك الوقت يتبعان فرعي الاخوان المسلمين في كل من مصر والأردن بسبب ارتباط قطاع غزة بمصر، والضفة الغربية بالأردن في الفترة من عام 1948 إلى العام 1967. ومما لاشك فيه، فإن انطلاقة وصعود حركة حماس دفع بالتيار السياسي والكفاحي الاسلامي الفلسطيني للعمل المباشر في الساحة الفلسطينية إلى جانب باقي القوى الوطنية والقومية واليسارية، بعد عقود طويلة من العمل تحت راية حزب الاخوان المسلمين في فلسطين، لتغدو بعد سنوات قليلة قوة كبرى ومؤثرة في مسار التحولات السياسية والمجتمعية الفلسطينية، في وقت تراجعت فيه حظوة وحضور القوى التقليدية في الساحة الفلسطينية، وتحديداً قوى التيارين القومي واليساري ومنها بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. وبالتأكيد فإن ولادة حركة حماس لم تكن معزولة عن مجمل التحولات التي كانت قد بدأت تدب على الأرض في فلسطين خصوصاً وفي المنطقة عموماً، وهي تبدلات جوهرية بدلت من ترتيب حضور وفعالية مختلف القوى الفلسطينية، بعد أن اصطدمت قوى اليسار والتيار القومي بالعقبات الهائلة، وتعثرت مساراتها، وتشتت برامجها واحتربت وتصارعت بين بعضها البعض، ولم تستطع أن تحقق للشارع والناس ما كانت تنادي به بخصوص المسألة الوطنية الفلسطينية، ومن هذا المنطلق شكل نهوض التيار الاسلامي وامتشاقه البندقية وتبنيه خيارات العمل الفدائي المسلح إلى جانب العمل السياسي والفكري، ملاذاً جديداً للتواقين والمحبطين على حد سواء لمواصلة المشروع الوطني الفلسطيني. لكن، أين وصلت حركة حماس في مسيرتها بعد عقدين ونيف من انطلاقتها، وأين رست في تجربتها المريرة خلال تلك الفترة التي شهدت تحولات عميقة في الوضع الفلسطيني والاقليمي..؟ [title]لم يكن مساراً سلساً[/title] بالطبع، لم يكن مسار حركة حماس سلساً دون التواءات واستعصاءات، فقد واجهت منذ لحظات ولادتها حملات صهيونية ومن قبل بعض الأطراف والإقليمية الدولية التي أثارت في وجهها مقولات (فوبيا) الإسلام السياسي، ووصلت بها الأمور إلى وصف حركة حماس بـ (طالبان فلسطين). وقد وصلت تلك الحملات إلى درجة عالية من المواجهة المباشرة، وقد تلقت حركة حماس على خلفية عملها الكفاحي في الانتفاضتين الأولى والثانية ضربات قاصمة على يد جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وقد سقط نتيجتها أعداداً كبيرة من قياداتها التاريخية المؤسسة لها بما فيها عدد من أعضاء النواة الأولى كالشهيد الشيخ أحمد ياسين، والشهيد عبد العزيز الرنتيسي، والشهيد صلاح شحادة، والشهيد إبراهيم المقادمة ...الخ، ومن كوادرها التي اختمرت على يديها مقدمات وشروط الانطلاقة الفدائية المسلحة للحركة نهاية العام 1987. كما عانت حركة حماس في مراحل نموها الأولى من ضعف الخبرة على صعيد العمل في الحقل السياسي الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي، فيما وضعت أمامها استحقاقات كبرى أملتها عليها طبيعة التحولات السياسية التي جرت منذ انطلاقة الانتفاضة الأولى، ومنها الاستحقاق المتعلق بصياغة المواقف التكتيكية اليومية تجاه ما يجري، وبناء البرنامج السياسي الذي يحدد الرؤية السياسية لمرحلة بعينها. إن تطوراً كبيراً طرأ على أسلوب حماس على كافة الأصعدة من الجماهيري والتنظيمي إلى العسكري والسياسي، حيث استطاعت وبالرغم من المصاعب التي واجهتها من إحداث تقدم كبير في مكانتها التي احتلتها على الأرض، مما مكنها من تحقيق انجازات متعددة كان أبرزها في نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006. فكانت حركة حماس أسرع الحركات الإسلامية في الوصول إلى الموقع المتنفذ تحت قبة البرلمان رغم أنها كانت الأقصر عمراً، لكنها بالمقابل باتت أمام معضلة المزاوجة بين (برنامجها المقاوم) وبين خبايا وخفايا واستحقاقات (المعترك السياسي). فالمزاوجة بين (المقاومة والسياسة) عملية بالغة التعقيد، وتتطلب نضجاً سياسياً عالياً، واشتقاقات برنامجية تحتاج لـ (حذق) ومهارة في إدارة الشؤون السياسية، وإدراكا عميقاً للواقع المحيط وللواقع المعاش على أرض فلسطين في ظل صراع غير متكافئ (حالياً) من الزاوية العسكرية مع عدو (مؤرب) يحظى بغطاء كامل من الغرب الأوربي والولايات المتحدة. وفي هذا الميدان، يسجل لحركة حماس أنها استطاعت وبصمود عموم أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أن تتعايش مع العزلة والحصار الذي فرض عليها منذ انتخابات 2006. واستطاعت أن تحقق الكثير من الانجازات على الأرض من خلال مقاومتها وحكمها لقطاع غزة، لكن ذلك لم يعفها من انتقادات وجهت إلى طريقة إدارتها للأمور وتشكيك في قدرتها على المزاوجة بين السلطة والمقاومة إلى مدايات بعيدة. [title]حماس ومنظمة التحرير[/title] إن حركة حماس التي تتطلع وتسعى وفقاً لوزنها ودورها على الأرض، للعب دور سياسي مركزي في قيادة الشعب الفلسطيني في إطار ائتلاف المنظمة في مرحلة ما بعد المصالحة، تواجه معضلة الحصول على اعتراف الجهات الفاعلية على الساحة الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث انقلبت تلك الدول على نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت عام 2006، وعملت على محاصرة وإفشال أول حكومة وحدة وطنية تم تشكيلها في حينه، وبالرغم من ذلك فإن بعض العوامل والتحولات التي طرأت على الأرض دفعت بالعديد من الأطراف الأوربية وحتى الأميركية لفتح قنوات اتصالات أو حوارت مع حركة حماس، فيما فتح الكرملين أبوابه أمام حركة حماس عبر دعوات رسمية تمت للمكتب السياسي للحركة إلى موسكو وهو أمر يحمل دلالاته القاطعة. إلى ذلك، إن عملية المصالحة الفلسطينية والحوارات الجارية بين مختلف القوى والتشكيلات السياسية الفلسطينية، يجب أن تستمر، فمكانة حركة حماس ووزنها في الشارع الفلسطيني يتطلب منها الإسراع بانجاز ملف المصالحة بالتعاون مع حركة فتح وباقي القوى الفلسطينية، ويتطلب منها أيضاً ايلاء موضوع المنظمة الاهتمام الذي تستحقه. فمسألة إسهام ودور حركة حماس في إطار المرجعية الوطنية العليا التي تمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ونعني بها منظمة التحرير الفلسطينية مسألة ذات أهمية استثنائية، فالدخول في عضوية منظمة التحرير أمر لابد منه حتى تأخذ حركة حماس دورها في المجتمع الفلسطيني وعلى أعلى مستوياته المسئولة، ومن اجل العمل إلى جانب باقي القوى الفلسطينية لصياغة البرنامج التوافقي الائتلافي، حيث مازال هذا الموضوع الشغل الشاغل للجميع، ويتوقع لاجتماعات القاهرة الفلسطينية الأخيرة أن تناقش هذا الموضوع وأن تصل إلى نتائج طيبة بشأنه. ومن المعلوم بأن ملف منظمة التحرير هو أحد الملفات الأساسية الخمسة من ملفات المصالحة التي جرى توقيعها في القاهرة في مايو الماضي 2011. وفي هذا السياق، وعلى ضوء نتائج الانتخابات التي جرت في أكثر من بلد عربي، وصعود التيارات الإسلامية، فإن المعلومات التي رشحت مؤخراً تفيد بأن جهات عربية وغربية قدمت نصائح إلى حركة حماس بإعادة بناء فرع (الإخوان المسلمين) في فلسطين بهدف الحصول على الاعتراف الدولي المتنامي الذي تحصل عليه أحزاب (الإخوان المسلمين) في العالم العربي، وهو أمر ربما (ومن وجهة نظر أصحابه) يفكك بعض الاشتراطات الغربية والأميركية التي وضعت أمامها للاعتراف بها وبدورها. وعلى أية حال، فإن ما أوضحته حركة حماس مراراً، من خلال تذكيرها المجتمع الدولي، بخطوطها السياسية العريضة، وبغض النظر فيما اذا قام الغرب و«اسرائيل» بتفهمها أو عدمه، فإن ذلك لا ينفي ومن باب أولى، أن تبادر الأطراف على الساحة الفلسطينية، إلى القيام بمسؤولياتهم، نحو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، لمواجهة العدو الصهيوني.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.