30°القدس
29.61°رام الله
28.86°الخليل
31.17°غزة
30° القدس
رام الله29.61°
الخليل28.86°
غزة31.17°
السبت 03 اغسطس 2024
4.87جنيه إسترليني
5.37دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.87
دينار أردني5.37
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.81

الأسير روحي مشتهى

خبر: وبشر الصابرين "مذكرات أسير"

كان ذلك في يوم 13/2/1988 حينما خرجت من بيتك مصابًا، وأنت تقوم بإعداد عبوة ناسفة، لتنقل بعدها إلى زنزانة وتغيب أربعة وعشرين عامًا، لم تكن كثيرة يا روحي، لم تكن طويلة، أتراه الصبر هو من قصّر طول السنين، فلولا شعرك الأبيض، ولولا قدرتك على العد، لقلت أنها مضت سريعًا، وكأنها أيام، رغم أنوفهم سأقول أنها مضت سريعًا، وأتطلع لذلك الحلم وقد تحقق على يد أبطال راهنت عليهم يومًا، هناك قلوب ما زالت تفكر بك، من قالوا أنهم قد نسوا جراحنا كانوا مخطئين. جميلة تلك الصفقة، باردة على قلبي، جمال الصبر الذي آمنت به، وتحليت به، وصعدت به الجبال العاليات، فلا ضربة سجان، ولا عزل الزنازين يهم، وكتاب الله بين يدي، أتشبث به، فأبتسم وأبتسم، وأنام مرتاحًا، ثم أنتصر، إنه الانتصار يضيء الطريق المعتم منذ أربعة وعشرين عامًا. وتخطرين في بالي، وأتألم، لما كابدته من عناء منذ زواجك بي قبل أربعة وعشرين عامًا، كنتِ عروسًا لم يمر على فرحتنا سوى ستة أشهر، وقررت الصبر مثلي، وقررت مساندتي، وعرفت وقتها أي النساء أنت، أتلهف لرؤيتك الآن وقد لمعت علامات الحرية من بعيد، ليلة واحدة تفصلني عنك، ما بال هذه الليلة طويلة لا تمضي، أترى لأنها الليلة الأخيرة يا أبا جمال، أم إنه الشوق لتلك المرأة التي دخلت حياتك لستة شهور فقط، وتركتها وراءك تتشبث هي الأخرى بحبال الصبر، فصبرت حتى عجزت عن تخيل صبرها، أرسل لك كلمة واحدة يا أم جمال، من زنزانتي وفي آخر ليلة لي هنا، الله أكبر يا أم جمال، ألم أقل لك أن الله أكبر. كم يا ترى من الليالي سهرت تتلحفين أحلامنا وذكرياتنا، وتمسحين دموع الشوق عن خديك، وكم يا ترى من ساعة مرت وأنت تحتسبين، ما أكبر قلبَك وما أروع تلك البطن التي حملتك، حان الآن موعد اللقاء بعد أن ابيضَّ الشعر وذهب الشباب، ولكن بقي الوفاء والعهد والإخلاص وبقيت الرجولة والبطولة والتضحية. خرجت يا أم جمال، خرجت وليس هناك مكان في جسدي يخلو من ضربة سجان، وفي نظرات عيناي: لا تخلو نظرة من عتمة زنزانة سوداء، وفي جسدي علقت ذكراك، ومن عيناي أتطلع للحرية، فألتمس الصبر والثبات منك، فكم من أوجاع التأمت بكلمة منك، وبنظرة ثبات ترسلها عيناك، وبدعوات مؤمنة من قلبك المؤمن، وأنا ما زلت أعد الليالي والأيام، حتى تأتي هذه الليلة، كم هي طويلة هذه الليلة. أنظر حولي، وأنا أخرج من الزنزانة مودعًا تلك القلوب الأسيرة الباقية خلفي، والتي اجتمعت معها على فراش واحد، وأكلت معها في صحن واحد، صبرت معها صبرًا واحدًا، وفي قلبي غصة وفي العين أتطلع لرؤية من أحب، فأبتسم رغم الحزن المعربد في ركن من أركان القلب الذي بات مقسمًا، وبين كل قسم أتلمس صبرًا آخر، وفوق كل ما أحمل من هموم، يبقى هم المقاومة، هم التحرير، هم النصر، لآخر العمر سأحمله على كتفي حتى يتحقق. أتذكرين يا أم جمال حينما طلبت منك، أن تتركيني وتبدأي حياتك من جديد، هل تذكرين ماذا قلتِ: سأنتظركَ حتى آخر العمر، ومنذ ذلك اليوم، وصورتك تكبر في عيناي أكثر، ومنك أتلمس الصبر والقوة ، فأغدو أنا أقوى الرجال. أنزل الآن من حافلة الأسرى، في معبر رفح، ترتجف يداي، وتخطو قدماي أول خطواتها على أرض الحرية، أبحث عن وجهك بين الوجوه، أدور بابتسامتي، فتقفين أمامي، قوية، مؤمنة، لترفعي يدك بتلك التحية العسكرية، ثم ترتمين بعناق المحبين بين يداي، لترمي عناء السنوات السابقات، قوية، صابرة، محتسبة، فتيقنت أنك زينة نساء هذه الأرض.