رحلوا إلى جوار ربهم وتركوا خلفهم إرثاً كبيراً من زوجة وأبناء، مضوا شهداء مخلفين وراءهم جرحاً غائراً لن يندمل في قلوب محبيهم، بل باتوا حيارى بين الذكرى والسير على خطى دربهم. وبقي زوجات الشهداء وحيدات دون الحصن الأمين للأسرة الذي رحل شهيداً بفعل بطش الاحتلال، ويعشن مرارة الفقد ويراودهن الحنين لأيام مضت، وكيفية الحياة دون فلذات أكبادهن "الزوج المعيل". حياة تلك الأرامل تتابعها نظرات الناس، وتراقبها نظرات أمهات وآباء أزواجهن من الشهداء، بعذر أو بحجة خوفهم أن تترك هذه الزوجات بيوت أبناءهن ليذهبن ويعشن في كنف أزواج آخرين غير أبناءهن. وتسلط [color=red]"فلسطين الآن" [/color]على نظرة الواقع الغزيّ، فمنهم من يوافق زواجهن من أجل الحفاظ على أعراضهن وصونها، ومنهم من يرفض ويدعوهن إلى التفرغ لتربية أولادهن على نهج والدهم الشهيد. [title]السترة وتربية الأولاد[/title] الشاب (أ. س) من المحافظة الوسطى تزوج أرملة أخيه بعد استشهاده في الحرب الأخيرة، حيث أقنعنه والده بالزواج من أرملة أخيه، كي يحافظ عليها وعلى أولادها، ووافق وتمت الخطبة بينهما. ويؤكد ابن الـ "26 عاماً" أنه لديه شرف وفخر بأن يصون ويستر زوجة أخيه، ويحافظ على العهد والأمانة الكبيرة التي تركها، وأن يكون سنداً لها ويربي معها أطفاله ويعلمهم التضحية والجهاد حين يكبروا. ويضيف: "ليس عيباً أن أتزوجها، ولا يهمني ما يقوله الناس، فهي تستحق لأنها صبرت كثيراً وثبتت في المحن والشدائد، وكانت مثالاً للوفاء". [title]اقتداء بالرسول[/title] ويؤيد الحاج أبو أمين الزواج من أرامل الشهداء وأن لهن الحق، مشيراً إلى أن الرسول الكريم تزوج من أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب بنت أمير المؤمنين الفاروق (رضي الله عنهما)، أرملة الشهيد خنيس بن حذافة إكراماً لأبيها الفاروق، أم المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة الهلالية أرملة الشهيد عبدالله بن جحش، وأيضاً تزوج من أم المؤمنين السيدة أم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية أرملة الشهيد أبو سلمة. ويبين أن بعض زوجات الشهداء يفضلن عدم الزواج والتفرغ لتربية أطفالهن، في ظل توفر المساعدات المالية لديها وقدرتها على الحفاظ على أبناءها وتربيتهم كي يكبروا ويصبحوا مثل أبيهم المجاهد. أما أخريات وهن صغار في السن يفضلن الزواج وغالباً من أسلافهن لصون عرضهن لكي يبقين على مقربة من الكنف التي عشن فيه مع الزوج الشهيد. الحاجة الستينية أم إبراهيم ترى أنه لا مانع من زواج زوجات الشهداء الأطهار لا شرعاً ولا قانوناً ولا أخلاقاً، لكن البعض يعارض ذلك لحجج غريبة وغير مقنعة، مبينةً أن الزواج من أرامل الشهداء ورعايتهن والإحسان إليهن هو من باب الوفاء للشهداء أنفسهم. [title]نظرة إسلامية[/title] ومن وجهة نظر إسلامية، يقول الشيخ الداعية إبراهيم درويش في حديثه لـ [color=red]"فلسطين الآن"[/color] إنه لا غرابة في أن يتزوج الأخ زوجة أخيه الذي استشهد في سبيل الله من باب السترة وعفاف لها وهو الأولى بها من الأغيار، مشيداً بخطبة ثلاثة شبان لزوجات إخوانهم الشهداء في مخيم النصيرات. "توجه الناس أصبح إسلامياً في المجتمع الفلسطيني، واتضحت لديه الكثير من المفاهيم ويتقبل الفكرة، وبات الأب يحث ابنه على زواج أرملة الشهيد، وذلك مهماً في الامتداد الأسرى بين الأنساب، والعيش في تكافل اجتماعي وأمان"، يضيف درويش. كما ويرفض ما تقوم به بعض أرامل الشهداء من ترك أطفالهن عند أجدادهم والزواج من الآخرين، معتبراً أنهن الصدر الحنون لهم والاهتمام بهم وتربيتهم والحفاظ عليهم. [title]كفالة اليتيم[/title] وشدد على أهمية كفالة اليتيم كما أوصى الرسول "أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى"، داعياَ الأم لأن ترعى أولادها وتربيهم على الجهاد والوصية التي تركها والدهم، وأن تدفعهم للتضحية. ويستذكر درويش أنه خلال جولاته على المرابطين يوماً ما حين سأل أحدهم وهو مرابط وكونه عريس جديد، فقال له أن زوجته هي التي ألبسته الزي العسكري ودفعته للرباط، مما يدلل على أن الكثير منهن لديهن حب التضحية وهن المبادرات بأن يكون زوجهن مجاهداً. ويشير إلى أن الإمام أحمد بن حنبل ربته أمه، وهي التي دفعته على صلاة الفجر في المسجد، وأصبح علماً من أعلام المسلمين. ويبقى الشهداء الأكرم منا جميعاً يستحقون الوفاء لهم باقتفاء أثرهم الطيب، وحسن إكرام زوجاتهم وتربية أبنائهم تربية سليمة، لكن ذلك يتطلب مجتمعاً رحيماً، وصاحب نظرة سليمة لإنصافهن رغم مصابهن.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.