أتذكر الآن ما قاله اينشتين "من الجنون أن نفعل الأشياء نفسها ونتوقع الحصول على نهاية مختلفة". وأقول من الجنون أيضاً أن ننتظر جيل مميز يحمل هم الأمة ويحضن وجهها الذي امتقع من كثرة الأهوال ونحن نربي أطفالنا على حب العلامات لا على حب التعلم !!! ماذا نريد من أطفالنا ؟هل نريد تفوق علمي حقيقي ؟أم نريد شهادات علمية بغض النظر عن حقيقتها ؟ أطفال يسجنون داخل العلب الصفية. تحشى عقولهم بالمعلومات. يقذفونها على ورقة الامتحانات ثم يخرجون ليرموا ما بقي منها ويمزقوا الكتب والدفاتر لتتطاير في الهواء تزامناً مع تطاير رقاب تطلب الحرية. التعليم في بلادنا يتحول إلى كارثة حقيقية. والسبب ليست السياسات التعليمية المبرمجة لأغراض الله وحده أعلم بها, بل أيضاً الأهل الذين يزرعون في أطفالهم حب العلامة (الجاه والمنصب) على المدى القريب. وحب الوظيفة على المدى البعيد. الوظيفة التي لن تأتي, والأطفال الذين نحبسهم داخل هذه القوقعة المظلمة الفقراء في البحث والتحليل والمهنة والعمل اليدوي. كلمتان قالهما جدي لأبي الذي لتوه درج إلى المدرسة "يا بتصير بني آدم وبتدرس زي ولاد عمك ....يا بتصير حراث زي أبو ..لطفي .."دهشت وأنا أسمع هذه الجملة وسبب دهشتي أن الطفل كان أمامه طريق آخر لكسب الرزق غير الدراسة .أما في هذه الأيام ماذا ينتظر الطفل المتأخر دراسياً ’أو الذي لا يحب الدراسة أصلاً ؟ لماذا لا يتعلم أطفالنا عملاً, مهنة مع العلم ؟ لماذا لا يلبس أطفالنا لباس المهنة (نجارة ’حدادة ’خياطة ,فلاحة) ندرب يده كما ندرب عقله ؟وماذا عن العطلة (الشتوية والصيفية) والتي يصطف أطفالنا فيها أمام الشاشات تلفاز, كمبيوتر، هاتف نقال, ألعاب فيديو. أعرف الكثير من أبناء العائلات الميسورة يصرون على إرسال أطفالهم إلى محلات يشتغل فيها الطفل بأي مهنة لكي (يندعك) ويتعلم أن المال لا يأتي بسهولة وليشعر بلذة الاعتماد على النفس ولدفن أي بذور للكبر والاستعلاء (شوفة النفس). فلنلزم أطفالنا إلزاماً على العمل في أيام العطل لأن في ذلك درس لهم أفضل من ألف حصة نظريه ,لأن ذلك يعلمهم فن الحياة واحترام المهنة أياً كانت. وكما يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (لماذا لا يشتغل المعلم والتلميذ بعد الظهر يبنون بيتاً للدجاج ,يحفرون الأرض ’يصلحون المقعد الذي انكسر ’يربون النحل ’) نحن بحاجة إلى رجال نعم إلى رجال ولن نحصل على ذلك بالعلم النظري والمعادلات وحفظ القوانين .يقول أدمون ديمولاند عن نظام التعليم في فرنسا "نظام التعليم في بلادنا لا يربي رجالاً "يا ترى ما مفهوم الرجولة في نظره ؟ الرجولة هي قدرة الشاب أن ينزل إلى الأماكن النائية وأن يستطيع وبدون مساندة الأهل أو الحكومة أن يكسب مالاً ويعتمد على نفسه وبمعنى أخر تعويد الإنسان أن يعتمد على نفسه فلا يحتاج إلى طلب الرزق من غيره وأن يدور حيث الزمن دار فلا يموت من الجوع إن اخترعت آله أو تخلت عنه حكومة أو عشيرة " ماذا عن أولادنا على في الجامعات والذي يموت والده ألف مرة قبل أن يوفر له القسط الجامعي وهو يتسلى بغمز ولمز وعنف ومناوشات وكلام فارغ ليس له أي معنى . ليس في العمل عيب بل العيب أن يترك رجل طويل عريض مشغول بتسريحة شعره ولباسه والده الخمسيني يجمع له قسطه الجامعي . ولقد قرأت مرة أن وزيراً أمريكياً عيروه بأنه كان صباغ أحذية (بو يه جي )فقال نعم. ولكني ما صبغت حذاءً إلا أخرجته يلمع كالمرايا .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.