9.45°القدس
9.21°رام الله
8.3°الخليل
15.95°غزة
9.45° القدس
رام الله9.21°
الخليل8.3°
غزة15.95°
الإثنين 02 ديسمبر 2024
4.63جنيه إسترليني
5.13دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.85يورو
3.63دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.63
دينار أردني5.13
جنيه مصري0.07
يورو3.85
دولار أمريكي3.63

خبر: الفضل لأربكان

تعودنا في عالمنا العربي على رؤية قطف ثمار النصر من قبل أشخاص لم يشاركوا في صنعه، وقلة هم الأوفياء الذين ينسبون النجاح إلى أهله، أما في تركيا فإن القيادة والشعب يدركان فضل نجم الدين أربكان، ويترحمون عليه كلما حققت الأمة نصراً أو نجاحاً على الصعيدين الداخلي أو الخارجي . وإذا كان كمال أتاتورك هو مؤسس الدولة التركية الحديثة، بعد انهيار الخلافة العثمانية، فإن الأمة التركية تنقسم بشأنه بين محبٍ وكارهٍ لبرنامجه وما وصل إليه حال تركيا من تبعية للغرب وعلاقة مع الكيان الصهيوني . هذا التوجه المُفرِط في هوية تركيا بوصفها وريث الخلافة الإسلامية، جعل البعض يفكر بشكل مختلف، منبهاً إلى أن فكرة علمنة تركيا لم تكن نابعة من ضمير الشعب التركي المسلم، ولم يكن من الصواب محاربة الدين على اعتبار أنه معتقد لا يتماشى مع الحداثة التي كان ينشدها أتاتورك، وأن الشريعة الإسلامية لم تكن في يوم من الأيام مانعاً من التقارب مع الغرب والاستفادة من تقدمه العلمي . على الرغم من ذلك تبقى الأتاتوركية علامةً فارقةً في تاريخ تركيا الحديث، ورمزاً من رموزها التي تهيمن على الهوية التركية الحديثة، وليس بالإمكان فصلها عن ضمير المجتمع التركي بسهولة، يحرس ذلك الجيش والمؤسسات الدستورية وعلى رأسها القضاء، وكثير ممن آمنوا بأفكار أتاتورك وسعيه الدؤوب للتخلص من إرث أجداده العثمانيين والتقارب مع الغرب الذي وجد في حضارته وتقدمه وقوته ضالته وبغيته لتنمية وتطور تركيا . بعد خمسين سنة من هيمنة الأتاتوركية على كل مفاصل الدولة في تركيا، برز في عام 1970 نجم الدين أربكان منشئاً حزباً بملمح إسلامي، سماه “حزب النظام الوطني”، ولم يكن لأحد من الناس في تركيا أو خارجها، أن يحلم بفوز هذا الحزب في أي انتخابات، لهذا حُلَ هذا الحزب بعد شهور من تأسيسه، بقرار من المحكمة الدستورية التي كان يهيمن عليها الجيش بقيادة “محسن باتور”، فقام أربكان بإنشاء “حزب السلامة الوطني” سنة ،1972 مُتَجَنِباً كل الثغرات التي نفذت منها المحكمة الدستورية، ودخل الانتخابات وفاز بخمسين مقعداً في البرلمان ليشارك في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري عام 1974 . في حكومة بولند أجاويد وفي خِضَم دفاع تركيا عن المسلمين في قبرص، كان أربكان نائباً لرئيس الوزراء في تركيا واستطاع أن يُمَررَ بعض القرارات ذات الطابع الإسلامي مثل تحريم الماسونية ومشروع التقارب مع الشعوب الإسلامية والعربية خاصة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه اتخاذ المواقف المُستَنكِرَة لسلوك الكيان الصهيوني . وفي عام 1980 وبعد خروج حزب أربكان من الائتلاف الحكومي، ومن مقاعد المعارضة قدم الحزب - وفي سابقة فريدة - مشروعاً إلى المجلس يدعو فيه الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، ولم يَكتَف بذلك بل قام بجس نبض الشارع التركي ونظم مظاهرة شارك فيها ملايين الأتراك الذين هتفوا ضِدَ قرار الكيان الصهيوني ضم مدينة القدس، وهكذا تبوأت الحركة الإسلامية بقيادة أربكان مكانة كبيرة في ضمير الأمة التركية، وحراكاً سياسياً واجتماعياً شديد الإرباك للمخابرات الأمريكية ومن شايعها، فقام كنعان إيفيرين بانقلابه الشهير الذي أطاح كل رموز الحركة الإسلامية في تركيا وعلى رأسهم أربكان الذي سُجِنَ لمدة ثلاثة أعوام . في عام 1983 أنشأ أربكان حزب “الرفاه الوطني” ودخل الانتخابات عام 1996 ليفوز بها ويترأس الحكومة بالشراكة مع تانسو تشيللر، وكان ذلك انتصاراً للحركة الإسلامية التي أثبتت أنها قادرة على قيادة المجتمع بالتفاهم مع خصومها، وفي بضعة أشهر استطاع أربكان أن يقنع خصومه بأن حزبه يمتلك الحلول لأغلب مشكلات تركيا وعلاقتها مع الغرب والشرق، وكانت أسلحته هي، محاربة الفساد والشفافية والصدق، فحققت تركيا في عهده قفزة تنموية شعر بها كل الأتراك، الأمر الذي استفز أجهزة المخابرات في تركيا وغيرها، نتج عن ذلك إسقاط ائتلاف حكومة أربكان بعد أن تم حل حزب الرفاه عام ،1998 وسُجن أربكان ومُنع عن مزاولة العمل السياسي لِمدة خمس سنوات، إلا أن ذلك لم يمنعه من إنشاء حزب الفضيلة تحت قيادة أحد طلبته، حيث أغلق هذا الحزب عام ،2000 الأمر الذي استنهض الرأي العام التركي لمناصرة التيار الإسلامي، ذلك التيار الذي خرّج جيله الثاني بزعامة ثلاثة من طلبة أربكان هم: أردوغان وعبدالله غول وأحمد داود أوغلو، الذين أنشأوا “حزب العدالة والتنمية” عام ،2001 وفاز الحزب بأغلبية ساحقة في الانتخابات، وترأس الحكومة عبدالله غول مؤقتاً حتى ينهي رجب طيب أردوغان محكوميته ويخرج من السجن ليقود الأمة التركية إلى حيث أراد أربكان وحركته الإسلامية . بعد زوال الحظر عنه قام أربكان بتأسيس “حزب السعادة”، فتحرك أعداؤه لإسقاطه على الفور، وسُجِنَ الرجل المُسِن ذو السبع والسبعين عاماً، في ظل حكومة يترأسها طلبته وأبناؤه ومحبوه ومريدوه، إلا أن الرئيس عبدالله غول أصدر عفواً رئاسياً عام 2008 عن أستاذه نجم الدين أربكان، الذي كان على موعد مع الأفول وتوديع الصراع السياسي إلى الأبد، وانتقل إلى جوار ربه في فبراير/ شباط ،2011 حيث رثته أمة بكاملها وسار في جنازته حشد من الملايين، وبكى عليه كل منصف ومحب للحق والنضال والمقاومة، إلا أن أكثر الباكين عليه هم طلبته الذين لم يستطيعوا حمايته من أمر الله كما لم يستطيعوا أن يجنبوه السجن وسطوة المخابرات المحلية والعالمية . رحل الرجل إلى جوار ربه وفي ذاكرتي جوابه عن سؤالي عندما كان ضيفاً خاصاً في منزل أحد أقربائي، سألته عن سر نجاحه، فقال “أقنعنا الساسة في تركيا حينها بأننا أتراك مثلهم” .