18.03°القدس
17.81°رام الله
16.64°الخليل
24.16°غزة
18.03° القدس
رام الله17.81°
الخليل16.64°
غزة24.16°
الأربعاء 02 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.77

خبر: "حصان إبليس" يستهوي الصغير ويرفضه الكبير

"حصان إبليس" هو ليس عنوانا لرواية أدبية، وكذلك ليس قصة أسطورية، ولا هو دابة يتنقل بواسطتها الجان، إنها إحدى وسائل المواصلات التي استعملها الإنسان بعد الثورة الصناعية، وأصبحت إحدى وسائل النقل الأساسية في العديد من دول العالم حتى يومنا الحاضر، هي بالفعل الدرجات الهوائية التي أصبحت وسيلة مشهورة للاستجمام, كونها لعبة للأطفال, ولممارسة اللياقة البدنيّة. جاءت تسمية "حصان ابليس" للدراجة الهوائية أو كما يسميها السعوديون "السيكل" لتعكس حالة التوجس والريبة التي اعترت سكان نجد في جزيرة العرب تجاه الصناعات الغربية، فهم كانوا يعتقدون أن الدراجة تدفع بواسطة شياطين الجن الذين "يتحالفون" مع راكبها حتى يثبتوه على ظهرها مقابل تنازلات ومعاهدات عقائدية، وشروط تمليها تلك الشياطين قبل خدمته. ودفع بهم هذا الاعتقاد إلى جعلهم يأمرون نساءهم بتغطية وجوههن عنه، وإذا لامس شيئا من أجسادهم أعادوا الوضوء، وإن شاهدوه بصقوا عليه وتعوذا بالله منه سبع مرات، وقد قرنوا اقتنائه في ذلك الوقت بالفساد والفسوق. وقد نظر المجتمع السعودي في خمسينيات القرن الماضي إلى راكبي الدرجات من عناصر الافساد في المجتمع، وممن الذين لا تقبل لهم شهادة، ثم خرج مشايخهم يحرمون ركوبها، وكان من يضبط وهو يمارس هذا الفعل الذي أسموه بـ"الفاضح" فانه يجلد بخمس عصي وتصادر منه الدراجة. ولم يعد "حصان ابليس" هو التسمية الوحيدة للدراجة عند أهل نجد بل أطلقوا عليها اسم "حمار الكفار" وقد رفض المجتمع السعودي مظاهر التطور، ونظر لها بسبب قلة الوعي وبساطة التعليم كنوع من البدع، واشتهرت قصة المرأة التي طلبت أن تخلع زوجها لأنه ركب "حمار الكفار". فالدرجات التي وجدت في القرن التاسع عشر للميلاد في أوروبا، وجاءت نتيجة جهود مجموعة من المخترعين، أصبحت من وسائل المواصلات المهمة، وحظيت بعد اختراعها بالانتشار في سائر أنحاء العالم، فاستخدمت قديما بديلا عن الحمار والجمل في نقل وإحضار الحاجيات، واستخدمها موظفو البريد رسمياً في إيصال وتوزيع الرسائل البريدية، واستخدم في التنقلات إلى مكان العمل. أما اليوم ورغم اختراع الطائرات ووسائل الموصلات الحديثة، ظلت تستخدم في كثير من الدول كوسيلة أساسية للتنقل في قلب عواصم دول متقدمة، حيث بات يطلق اليوم على العاصمة الهولندية امستردام "عاصمة الدراجات" لأن أكثر من نصف سكانها يستخدمون الدراجة ليس بدافع الفقر وإنما للحفاظ على البيئة، والتمتع بلياقة بدنية تقيهم من أمراض السمنة. وفي دولة مثل الصين يوجد بها اليوم ما يقرب من نصف مليار دراجة تستخدم للغرض ذاته، وفي الدنمارك ثلاثة من بين كل تسعة عمال يتوجهون إلى أعمالهم بواسطة الدراجات الهوائية، حيث تشجع دولهم الاتجاه إلى هذه الوسيلة فتوفر لها الطرق والمواقف لركنها. وإذا كان الشعوب الغربية التي تعيش في دول متطورة، استلطفوا فكرة الانتقال بـ"البسكليت" كما يسميه أهل الشام، أو "العجلة" مثل ما يطلق عليها المصريين، ظلت البيئة العربية لا تستلطف فكرة الانتقال بالدراجة الهوائية، فهم ينظرون إليها على انها وسيلة يستخدمها الفقراء، والطبقات الدنيا، ولا تعدوا كونها لعبة للهو الأطفال في مرحلتي الطفولة المبكرة والمتأخرة. ولو عدنا إلى قطاع غزة لوجدنا أن الدراجات كانت منتشرة قبل ما يزيد عن عقد من الزمن وكانت الجامعة الإسلامية تخصص مواقف لدراجات طلابها، لكن الشاب الفلسطيني بغزة استهوته الدراجات النارية والتي وصلت من مصر، وهذه الوسائل مهددة أيضا بأزمات انقطاع الوقود. إن حياة الفلسطيني في غزة تدفع إلى أن يبحث الشاب عن بدائل في ظل انعدام الدخل، واستمرار الحصار الذي فرضه "أخوة إبليس" كما يقول كبار السن، والبقاء رهينة لأزمات انقطاع الوقود التي سرعان ما يستبدل أصحاب مركبات النقل العمومي الوقود بزيت الطهي وتصبح عبئا على البيئة وصحة الفرد. ومع استمرار انقطاع الرواتب لموظفي غزة، صنع مسعفان دراجة هوائية من أجل الذهاب إلى عملهم للتغلب على الأزمـة المستمرة لأكثر من عام، وكأنهم يوصلان رسالة: "لن أستسلم للحصار"، لكن هذه المبادرة التي أيدها البعض وباركها، رفضت من قبل الكثيرين وكان لسان حال أغلبهم يقول: "حسبي الله على الي كان السبب". ولا نبالغ إن قلنا "رب ضارة نافعة"، فالدراجة التي توجه لها المسعفان في ظل الأزمة توفر المال لمستخدميها، وتمنحهم الصحة والرشاقة، ولذلك قد تكون نشر ثقافة الدراجات والتشجيع على استخدامها هي إحدى أهم وسائل مواجهة الحصار لما لها من آثار ايجابية على البيئة وصحة الفرد، والتشجيع على ادّخار المبلغ المخصص للمواصلات. قد يكون "حصان إبليس" هو من يتحدى الحصار الذي فرضه "أخوة إبليس".