خبر: أموال الفلسطينيين بين البنوك الإسـرائيلية وبنوك الخارج
03 يناير 2012 . الساعة 07:38 ص بتوقيت القدس
من الطبيعي أن يثير تقرير “الدستور” بالأمس حول حركة تهريب أموال إلى الخارج يقوم بها مسؤولون فلسطينيون أشجانا كثيرة لدى المواطن الفلسطيني في الداخل والخارج، مع أن القصة لا تبدو جديدة، حيث لم يُفق الناس بعدُ من صدمة الدراسة التي أعدها باحث فلسطيني حول استثمارات الفلسطينيين التي تتجول في بنوك الدولة العبرية ويُستثمر جزء منها في المستوطنات الإسرائيلية، والتي تبلغ 2.5 مليار دولار في أقل تقدير، بينما تذهب تقديرات أخرى إلى أنها تبلغ 5.8 مليار دولار. وفيما يربط البعض حركة انتقال الأموال الفلسطينية من الأراضي المحتلة والأردن إلى الخارج بقضية التحقيقات المتعلقة بالفساد التي تجريها السلطة، والتي طالت عددا من المسؤولين إلى الآن، فيما يتوقع أن تطال آخرين، إلا أن آخرين يربطونها بمعطيات سياسية تتعلق بمخاوف البعض من اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية في ظل الانسداد السياسي المعطوف على تصاعد عمليات الاستيطان والتهويد لمدينة القدس والمسجد الأقصى، فضلا عن هياج قطعان المستوطنين في الضفة الغربية، الأمر الذي ينسجم بدوره مع شعور المواطن الفلسطيني بعبثية استمرار مراهنته على مشروع السلطة القائم بينما الربيع العربي يبشر بوضع مختلف للقضية الفلسطينية برمتها. في هذا السياق نتذكر ما جرى عشية اندلاع انتفاضة الأقصى نهاية أيلول من العام 2000، حيث تحالف عدد من جنرالات التنسيق الأمني وبعض السياسيين مع ثلة من رجال الأعمال في سياق الهجوم على مشروع الانتفاضة ودعمها من قبل ياسر عرفات، وكان الرئيس الحالي ورفيقه السابق محمد دحلان جزءً لا يتجزأ من التحالف المذكور. في تلك الآونة كان المشار إليهم قد رأوا في الانتفاضة تهديدا لمصالحهم الشخصية والمالية والتجارية، الأمر الذي استدعى رفضها، بل مواجهتها أيضا. وفيما كان الشعب الفلسطيني بكل قواه يُجمع على الانتفاضة المسلحة، كان أولئك يقفون في المربع الآخر؛ في البداية عبر التشكيك بجدواها، وتاليا عبر الدخول في مغامرة التآمر على ياسر عرفات وصولا إلى التمهيد لقتله من قبل الإسرائيليين، مع اعتقاد كثيرين بتورط مباشر لبعضهم في عملية الاغتيال. وفي حين يحاول كثيرون اعتبار رئيس الوزراء الحالي سلام فياض خارج دائرة الشبهات في كل ما يتعلق بحركة المال، فإن الواقع أن التزكية التي يحصل عليها الرجل من قبل الدوائر الغربية والإسرائيلية لا صلة لها البتة بقصة النزاهة، بقدر صلتها بالمسار السياسي الذي ينحاز إليه، بل يطبقه واقعا على الأرض، ممثلا في مشروع السلطة/ الدولة تحت الاحتلال، مع الرفض المطلق لمشروع الانتفاضة الثالثة، حتى لو كانت سلمية (الرئيس قال في آخر تصريحاته إن الانتفاضة الثالثة ليست أبدا من خياراته “المفتوحة” لمواجهة الانسداد السياسي!!). وتعلم الدوائر المشار إليها أن فياض لا يستقطب كبار حركة فتح بالحجة والإقناع، وإنما بالمال والامتيازات، وهم بالمناسبة (أعني الغربيين والإسرائيليين) لا يمانعون في ذلك أبدا، بل إن حركة الفساد المالي التي اجتاحت السلطة خلال النصف الثاني من التسعينات كانت تنمو وتتحرك أمام أعينهم، بل ربما برعايتهم، ولم يكونوا يرون بأسا في ذلك ما دام ثمنها السياسي مدفوعا، وكم من مرة نشرت الصحافة الإسرائيلية الكثير من التقارير حول حركة المال في السلطة وما تنطوي عليه من فساد. في الساحة الفلسطينية يسخَّر المال من أجل السياسة والأمن، في ذات الوقت الذي يُطارد فيه من أجل السياسة والأمن، فعندما كان ياسر عرفات يدفع استحقاقات أوسلو كاملة، لم تواجه سلطته مشاكل مالية، لكنه ما إن انخرط في الانتفاضة حتى حوصر ماليا، وجيء له بسلام فياض من أجل مراقبة ما يدخل جيب سلطته من مساعدات حتى لا يذهب بعضها لنشاطات “الإرهاب”. وفي هذه الأيام تتحالف السلطة وأمن الاحتلال على الحيلولة دون إدخال أية أموال لأسر الشهداء والأسرى من حركتي حماس والجهاد، وقد صودر منها الكثير الكثير، واعتقل على خلفيتها الكثيرون (تسمى التهمة في “قضاء” السلطة غسيل أموال!!). هي فضيحة تخص حركة فتح أكثر من أية جهة أخرى، بل إن أزمة الواقع الفلسطيني اليوم هي أزمة حركة فتح، فما لم تستعد الأخيرة ذاتها كحركة تحرر وتنبذ ما تراكم على جسمها من خبث سيبقى الوضع بالغ الصعوبة، من دون أن يعني ذلك تبرئة لحركة حماس التي نستغرب قبولها المصالحة مع وضع بائس من هذا النوع، وعلى قاعدة الحفاظ على سلطة مصممة لخدمة الاحتلال، ومع قوم يمارسون جرائم “التنسيق الأمني” دون خجل، ويقولون إن الانتفاضة الثالثة ليست جزءا من خياراتهم.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.