يحكى أن أحد كبار السن في القرية قرر الذهاب إلى المدينة فلما سمع أهل القرية بذلك صار كل واحد منهم يأتي ويطلب من الرجل أن يأتيه بشيئ من احتياجاته من المدينة دون إعطاء نقود لشراء الغرض حتى جاءت امرأة ووضعت في يده مالا وطلبت منه أن يشتري مزمار لابنها فرد عليها الرجل قائلا أبشري فسيزمر ابنك . عندما تريد أن تفعل أمة شيئا فلا تكفي مجرد المطالبة به للحصول عليه ما لم نهيئ لذلك أسبابه ووسائله الكفيلة بالوصول إلى النتائج المطلوبة فعلى الصعيد السياسي بقينا عشرات السنين نطالب بتحرير فلسطين دون أن نفعل كدول عربية أي شيئ فعلي لتحقيق ذلك لا عسكريا ولا اقتصاديا ولا حقوقيا وقضائيا كأضعف الإيمان وظل العرب يرددون شعار تحرير فلسطين فإذا بهم يخسرون العراق ويجدونه قد أصبح مستعمرا هو الآخر بشكل مباشر وغير مباشر. وعلميا فإن الجامعات العربية لم تحقق أي انجازات فعلية على الصعيد العلمي بل هي أشبه بمطابع للشهادات منها لمراكز علمية يفترض بها أن تنهض بالواقع العلمي العربي وتجد حتى المتفوقين من خريجيها سرعان ما يهاجرون إلى دول أخرى تعطيهم الفرصة لتنفيذ أفكارهم على واقع الأرض لا أن تبقى حبيسة خيالهم أو الورق طوال حياتهم. ومؤخرا أصبحت الجامعات العربية تتسابق في إعطاء شهادات الدكتوراه الفخرية لهذا وذاك ولعمري لا أدري أي فخر تحمله شهاداتها الأصلية فما بالك بتلك الفخرية . أما على الصعيد الاقتصادي فما زال الناتج القومي العربي بما في ذلك مداخيل البترول لجميع الدول العربية أقل من الناتج القومي لدولة أوروبية واحدة هي اسبانيا أما دول مثل ألمانيا أو فرنسا فحدث ولا حرج. وعلى الرغم من المطالبات بالنهضة الصناعية العربية ووجود كل المواد الخام التي تحتاجها أي صناعة في العالم في باطن الأرض العربية ووجود العمالة الماهرة والعقول الهندسية إلا أننا لا نزال عاجزين عن صنع سيارة واحدة نفخر بأنها سيارة عربية تنافس مثيلاتها الصينية على الأقل ولا نقول اليابانية أو الأوروبية فكل شيء لدينا مستورد والمصانع التي عندنا لا تلبي حتى جزء يسير من احتياجات البلد الذي تقع فيه ناهيك عن الدول العربية الأخرى ومازالت الحكومات العربية تشجع المصنعين العرب بالكلام وتحاربهم بالعمل حتى يفقد أي منهم عزيمته ويكتشف انه لو سخر هذه الاموال في الاستيراد من الخارج والبيع في الداخل لكان أجدى بكثير وانفع اقتصاديا من التصنيع . أما إعلاميا فعلى الرغم من أن الناطقين بالعربية يبلغ عددهم مئات الملايين فليس لدينا إنتاج سينمائي أو تلفزيوني يحسب له ويعتد به ويمكنه بلوغ مراحل عالمية ولازالت أكبر إنتاجاتنا التلفزيونية هي إصدار نسخ باهتة عن برامج أجنبية لا تتناسب مع فكرنا وثقافتنا وعاداتنا ومازالت السينما العربية سينما التهريج والعري والإثارة الرخيصة لا غير. من كل ما ذكرت أهدف إلى الوصول لنتيجة واحدة هي أن المطالبة والرغبة لا قيمة لها إذا لم تقرن بجهد فعلي وإمكانات حقيقية من الحكومات ومن الشعوب والأفراد وإلا فإن كل ما نقوله يذهب أدراج الرياح ولا يحسب له أي حساب في أي مكان في العالم . يجب أن نرسخ ثقافة التأسيس لأي عمل نقوم به حتى تكون له جذور قوية تمكنه من الصعود والصمود ولا يكون مجرد شعارات خاوية لا قيمة لها على أرض الواقع العملي في عالم أصبحت فيه الثانية تعتبر زمنا طويلا جدا . وحتى تلك اللحظة فلن يزمر ابننا مع الأسف
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.