26.59°القدس
25.71°رام الله
24.97°الخليل
26.16°غزة
26.59° القدس
رام الله25.71°
الخليل24.97°
غزة26.16°
الثلاثاء 21 مايو 2024
4.69جنيه إسترليني
5.21دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.01يورو
3.69دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.69
دينار أردني5.21
جنيه مصري0.08
يورو4.01
دولار أمريكي3.69

خبر: روح المصالحة والتوافق يجب أن تعود

ستظهر نتائج المرحلة الثالثة للانتخابات بعد ساعات، وسنكمل الدوائر المؤجلة بعد أيام قليلة، وبذا تنتهي مرحلة ونبدأ مرحلة جديدة. وستكتمل صورة مجلس الشعب الأول بعد الثورة باختيار حر نزيه، وستنتهي الإثارة الإعلامية وتهييج الرأي العام وحساسيات الانتخابات مع مجلس الشورى الذي يحتاج إلى هدوء في التنافس على مقاعده ولا يحظى بنفس الجو المحموم الذي صاحب انتخابات مجلس الشعب. والسؤال الآن: ما هي الروح التي يجب أن تعود للمناخ المصري؟ ما هو المطلوب من جميع المصريين في الشهور والسنوات المقبلة؟ ما هي الدروس المستفادة من السنة الأولى التي عشنا فيها أجواء الثورة وتوابعها؟ إنّ أول ما يجب أن نحرص عليه أن تعود للمجتمع المصري روح المصالحة والتسامح والتوافق. لقد حاول أعداء الثورة، وخصوم مصر بكل قوة أن يفتتوا المجتمع المصري، وأن يزرعوا الشقاق بين طوائف المصريين، وأن ينقسم المصريون حول كل قضية وأيّ جزئية، وبدأ المشهد الكئيب وكأنّ الشعب الذي توحّد مع الجيش خلال أيام الثورة المباركة قد تشرذم وتحوّل إلى طوائف متناحرة منقسمة لا تتفق على رأي ولا تجتمع على تصوّر أو تلتقي على خطة عمل. لقد كانت المفاجأة المزلزلة للنظام السابق وأعوانه وحلفائه في الداخل والخارج هي وحدة المصريين في المشاعر والأحاسيس في كره النظام وتسلّطه ودولته البوليسية، في الخروج معاً للميادين بصورة سلمية، في الاصطفاف حول هدف واحد هو إسقاط النظام، في الوقوف معاً جنباً إلى جنب ساعداً بساعد رغم اختلافات واضحة من أجل الوصول إلى هدف محدد. هذه الروح العظيمة، وهذا المشهد المهيب أدّى إلى وقوف الجيش في صف الشعب ليحمي ثورته ويبارك غضبه النبيل، فكان توفيق الله ورعايته مع الشعب لينتصر في ثورته العظيمة، وسقط رأس النظام، ثم برلمان النظام وحكومة النظام ثم مجالسه المحلية المزورة. وكان فضل الله على مصر وشعبها عظيماً، فهل شكرنا الله على هذا التوفيق والسداد، للأسف الشديد سرعان ما دبّ الخلاف وساد الشقاق. ولكننا بالعودة إلى الشعب من جديد كان الدرس الثاني العظيم من دروس الثورة، ظهر إصرار الشعب المصري على أن يمتلك بنفسه زمام المبادرة، وأن يقول لكل الدنيا أنّه بعد إسقاط النظام يريد بناء نظام ديمقراطي دستوري حديث. فكانت طوابير المصريين في استفتاء 19 آذار على خريطة طريق تؤدي في نهايتها إلى: - انتخاب مجلس شعب جديد بإرادة مصرية صحيحة حرة. - انتخاب مجلس شورى جديد في انتخابات حرة نزيهة. - اختيار جمعية تأسيسية من مئة عضو لوضع دستور جديد بالتوافق الوطني العام بإرادة الشعب لأول مرة في حياته الحديثة ودولته الوطنية، ولا تفرضه النخبة ولا يكرّس فرعونية الحاكم ولا يصادر إرادة الشعب، بل يختار ممثلو الشعب هذه الجمعية التأسيسية. - انتخاب رئيس جمهورية جديد من بين متنافسين أكفاء بضوابط موضوعية وليس بشروط تعجيزية. باختصار تغيير شامل في النظام السياسي المصري يؤدي إلى بناء دولة وطنية ديمقراطية دستورية حديثة، أيّ دولة مدنية بمرجعية إسلامية وفق اختيار الشعب الذي كان الجميع يعلم أنّه شعب مؤمن، مسلميه ومسيحييه يرفض كل ما يخالف العقائد الدينية، ويرفض كل ما يخالف الشريعة الإسلامية التي تحفظ الحقوق المتساوية لكل أبناء الوطن، والتي عشنا في ظلالها قروناً عديدة إخوة متحابين وشركاء في المسؤولية، نشرب من نيل واحد، ونعيش على أرض واحدة، وندافع عن الوطن فتسيل دماؤنا لتمتزج على الأرض دون تفرقة ودون تمييز، تعرّضنا للظلم جميعا في العصور الاستبدادية قديما وحديثا، وبنينا معا بنيان الوطن اقتصاديا وتنموياً في عصور النهضة، وسنتمتّع جميعا بثمرات صبرنا الطويل وجهدنا الحالي، وفي المستقبل عندما نشيد نهضة مصر الحديثة. لقد اختلف البعض حول جدول التحول إلى النظام الديمقراطي الدستوري، وارتفعت أصوات تتهم الشعب بالغباء أو تغييب الوعي وغيرها من الاتهامات الباطلة. وها هي الانتخابات توشك على النهاية، وظهر للجميع من يحترم إرادة الشعب، ويقبل القيم الديمقراطية، ويعمل وفق الآليات والوسائل الديمقراطية. ونريد من كل القوى السياسية والنخب الفكرية والعلماء والباحثين والإعلاميين أن يتحلّوا الآن بروح المسؤولية، مسؤولية وضعتها الملايين، الذين صوتوا في الاستفتاء ثم الانتخابات لأول مرة في تاريخ مصر الحديث، في أعناق الجميع. مسؤولية بناء الوطن وصنع نهضته وتنمية موارده وعدالة توزيع عوائد التنمية على كل المصريين مع الحفاظ على كرامة المصري وحقوقه الإنسانية. هذه المسؤولية تحتاج إلى عودة لروح المصالحة بين كل الأطياف من جديد. لن نستطيع القيام بأعباء النهضة المرتقبة أو إعادة الحقوق إلى كل المصريين إلاّ إذا سادت روح التوافق من جديد، وكان التسامح هو شعار المرحلة الجديدة، إن تصوّر البعض ممن فاز في الانتخابات أو كانت حصته قليلة أو خسر بصورة كبيرة أنّ الأغلبية هي التي تتحمّل المسؤولية فقط تصوّر خاطئ، إننا جميعا في سفينة واحدة، إذا أبحرت ونجت نجونا جميعاً. إنّ الشعب هو صاحب القرار، وهو الذي يتحمّل المسؤولية في المقام الأول، وعليه أن يعمل على مساعدة البرلمان القادم ثم الحكومة والرئيس المنتخبين فيما بعد على قيادة البلاد إلى النهضة. على كل مصري ومصرية أن يدرك أنّ هذا الوطن وطنه وأنّ هذا البلد بلده، وأنّ بناء هذا الوطن يحتاج إلى سواعد الجميع، وأنّه تحوّل من مجرد مقيم إلى شريك. على الجيش أن يدرك أنّ مسؤوليته لم ولن تنتهي بمجرد تسليم السلطة للرئيس الجديد، بل على الجيش أن يساعد الإدارة الجديدة للبلاد من برلمان وحكومة ورئيس على تخطّي الصعاب، ليس فقط بحماية البلاد والدفاع عنها بل أيضا بالولاء لسلطة الشعب التي فوّضها الشعب لمدة قابلة للتجديد. على جهاز الشرطة أن يراجع حساباته ويتعلّم من أخطاء المرحلة السابقة، وأن يعود إلى العمل بكل طاقته في إطار من روح المصالحة والتوافق مع فرز كل من أجرم ومحاسبته وفق القانون ليتطهّر من أدران النظام السابق الذي ورّطه في حماية الاستبداد والفساد والتوريث، فالوفاء لدماء الشهداء يقتضي القصاص العادل ممن قتلهم. على الأحزاب السياسية أن تتعاون ولا تتعارك، أن تتوافق ولا تتنافر، أن تلتقي على المصالح العليا للبلاد، وهي معروفة وواضحة، لإعداد دستور جديد يُعلي من إرادة الشعب ويحقق السيادة للشعب، ويوازن بين السلطات الثلاث، ولا يصنع فرعونية جديدة. كما على رجال المال والأعمال والمستثمرين كبارهم وصغارهم أن يعملوا بجد وحماس على تحقيق آمال المصريين في اقتصاد قوي ومتين خلال سنوات قليلة بحيث يجد معظم العاطلين، وأخص الشباب، فرصة عمل تجدد ولاءه للوطن. على رجال الإدارة العليا للبلاد النظر بين الاعتبار إلى التغيير الهائل الذي أحدثته الثورة في مصر، فلا يتمسّكوا بالرواتب الخيالية التي كانت لشراء الولاء للنظام السابق وأن يقبلوا بالحد الأقصى للأجور والمدد الزمنية المحددة للبقاء في المناصب العليا، وأن يساعدوا على بناء كفاءات جديدة من الشباب تتسلّم المسؤولية جيلاً بعد جيل. لن نستطيع أن نحقق تلك الآمال وهذه الأحلام التي فجّرتها الثورة المصرية إلاّ إذا سادت روح التسامح والمصالحة والتوافق الوطني، وعدنا من جديد مع إقبال العيد الأول للثورة إلى روح ميدان التحرير، وهنا أذكّر الإعلاميين والنخبة بمسؤوليتهم لتدارك أخطاء الشهور السابقة. فلنقطع الطريق على المتربّصين بمصر، والذين يعملون ليل نهار على إجهاض أحلامنا وتمزيق وطننا وتفتيت جبهتنا الداخلية. لندرك أنّ هذا الوطن مسؤولية الجميع، ولن ينهض إلاّ بتكاتف الجميع.