27.26°القدس
27.16°رام الله
28.86°الخليل
29.55°غزة
27.26° القدس
رام الله27.16°
الخليل28.86°
غزة29.55°
الأحد 04 اغسطس 2024
4.88جنيه إسترليني
5.37دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.16يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.88
دينار أردني5.37
جنيه مصري0.08
يورو4.16
دولار أمريكي3.81

في ذكرى استشهاده

خبر: مقال مؤثر للشيخ أبو جليدان عن الشهيد "اللوقا"

الداعية موسى أبو جليدان ، يتحدث عن الخطابة في حياة الشيخ الشهيد نظير اللوقة ، و كان استشهد في أول أيام الحرب على غزة عام 2008 ، بينما كان يصلح بين عائلتين في أحد مراكز الشرطة التي قصف في رفح . ويعرف عن الشيخ نظير اللوقا بأنه خطيب مفوه ، اشتهر بكلمة الحق ، لا يخشى في الله لومة لائم ، وهو أحد رجالات الاصلاح في رفح خاصة و القطاع عامة و عرف بمناصرته للحركة الإسلامية في فلسطين وغيرها في العالم. [color=red]بقلم الشيخ موسى أبو جليدان[/color] [color=red]بعنوان الخطابة في حياة الشيخ الشهيد نظير اللوقا[/color] الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والعزة التي لا ترام، والكنف الذي لا يضام، أعزنا بالإسلام، وارتضاه لنا ديناً نسعد به الأنام، ونبدد بنوره الظلام، ونطبب ببلسمه ما تعانيه البشرية من آلام، ونرسخ بشرعته في هذا العالم التائه قواعد العدالة والسلام، ونهتف على الدوام: نحن نهدي الخلق زهراً وثماراً وسوانا يشعل النار ضراماً كل طاغوت وإن أوقد ناراً عادت النيران برداً وسلاماً والصلاة والسلام على النبي المقدام، والرسول الهمام، من حطم الأصنام، وقمع البغي والإجرام، شريعته حب ووئام، ونهجه تضرع وقيام، وشيمته حفظ الذمام، ودعوته مصحف وحسام، والصلاة والسلام على صحابته الأعلام، وآل بيته الكرام، وأتباعه قطر الغمام، الذين رفعوا الأعلام، وأخرسوا الأقزام، وأطفأوا كيد الظُّلَّام، فأشرقت الدنيا بالبشر والإنعام، وبعد: من الناس طائفة طرقت أبواب الوجود وهي تحت أطباق الثرى، وتطاولت على الفناء لتعيش مع الأحياء، وترسم بفكرها الثاقب، وقلبها الخفاق، وصوتها الجهير ملامح النهوض، ومسيرة البعث الكبير، تنساب مع تيار الحياة المتجدد الموفور، غير آبهة بجنادل القبور، وأحسب أن شيخنا أبا خليل – طيب الله ثراه، وجعل الفردوس مثواه – هو أحد رواد هذه القافلة الميمونة، يوم حمل الأمل المشبوب، والبيان الواضح، والشعاع الهادي؛ ليرد للأمة -بإذن الله تعالى- مجدها الغارب، ورشادها العازب، ويغرس في نفوس أجيالنا إيماناً لا يتزعزع، ويقيناً لا يتضعضع، بأن أمتنا رغم ما غشيها من فتور، وطرأ على مسيرتها من قصور ، ستطيح بكل متسلط مخمور، وسوف تنفجر زلزالاً يثل العروش، ويطوي كل نهج مغشوش، ويهدم مرابض الخدر، فلا يبقي منها رسماً ولا وسماً ولا يذر. أدرك الشيخ الشهيد بوعيه الرشيد، وفكره السديد؛ أن قطار الدعوة لا يسير على قضبانٍ ممهدة ممتدة، يأمن راكبوه من الخدوش، ويسلمون من الغوائل، وأيقن أن السائرين إلى الله في طريق الهدى يحرسون العقيدة، ويحمون الإيمان سيجدون العنت ويكابدون الأهوال، فهم عرضة لهجمةِ جاهليةٍ عنيدة، وسطوة خصوم كالحين، فقد يفقد الشرطي روحه وهو يطارد لصاً آثماً، أو عدواً آبقاً، ويرى ذلك واجباً لقاء راتب يتقاضاه، فكيف بمن نصب نفسه ووظف طاقاته صيانة للرسالة والأصالة، وحرباً على الضلالة والجهالة، وكثيراً ما سمعت الشيخ يلهج في خطبه بهذه الأبيات مزمجراً هادراً: أنا لا أقرُّ على القبيح مهابةً إن القرار على القبيح نفاقُ قلبي على ثقة ونفسي حرة تأبى الدنيَّ وصارمي ذلاقُ وعلام يخشى المرء فرقة روحه أوليس عاقبة الحياة فراقُ لا خير في عيش الذليل يحوطه من جانبيه الذل والإملاقُ وما كان لمثل الشيخ الجليل أن يسكت عن الفساد والمذلة، وحاشاه أن يعيش في حواشي الملوك المستبدين، وماذا ينتظر الدعاة إن استبدلوا التين بالدين، ونافقوا الجبابرة المتسلطين، وأحرقوا البخور بين أيدي الملوك الأفاكين، ماذا ينتظرون حينها إلا غيوماً راعدة بالويل والعذاب المهين؟!! فالرجولة الناضجة، والبطولة الحقة في المخاطرة والإقدام، حين يؤثر العجزة السلامة والإحجام، وتراث الشيخ الجليل أبي خليل شاهد على عبقرية فذة، وجرأة واعية، وهو الذي صدح بالحق الواضح؛ يوم كان التخارس بين الدعاة هو الفقه الراجح، وتوغل برشد وحكمة في علاج قضايا شائكات، كان التعريض بها عند أقرانه من المحرمات، يفيض على جمهوه يوم الجمعة بوجبة دسمة منوعة بليغة، فيها ما لذ وطاب، مما يتعاهد عليه الأصحاب، ويتغذى به أولو الألباب، حيث رقة الفضيل، وقوة الحسن البصري، وشجاعة الأوزاعي، وزهد بشر الحافي، وسمت محمد بن واسع، وفكر المودودي، وأدب سيد قطب، وتربية البنا، ويوم كانت الصولة والجولة للتنظيمات؛ وقد يغتال المرء برصاصات، ويقمع بالبلطات، إذا انتقد ناصحاً ولو ببعض كلمات، كان صوت الشيخ على منبر بلال مدوياً يقف الجميع أمامه في ذهول، وهو يرعد ويقول: ( لا صوت يعلو فوق صوت الإسلام، لا أحد يخلو من العيب، ولا أحد يعلو على النقد ). له قلبٌ أشدُّ من الرواسي وذكر مثل عَرف المسك فاحا فهوت إليه الأفئدة حباً وتوقيراً، واشرأبت لبيانه الأعناق هيبة وتقديراً، وصار الشيخ ملاذاً يأوي إليه المظلوم، وكنفاً يتمرغ في حجره المحروم، وجعل من نفسه محامياً يذود عن الضعفاء، ويتدرعون به عند عربدة الأقوياء، حتى خافه أصحاب النفوذ، وانكمش من رهبته كل فاجر منبوذ، وهكذا أولياء الله يهابهم الطواغيت وهم بلا تيجان، وتذعن لهم القلوب من غير حشم ولا سلطان ستشهد في التاريخ أنك لم تكن فتى مفرداً بل كنت جيشاً عرمرما كنت مواظباً على الصلاة عنده كل جمعة في الانتفاضة الأولى، وربما جئنا من أقصى المدينة نسعى راجلين في أيام الإضرابات، نؤم مسجده، فيروي ظمأنا بسلسبيل الوحي وعذب النفحات، ويملأ عقولنا بالوعي والإشراقات، ويطمئن قلوبنا بأمداد منعشة من البشريات، يمتهن تشخيص الداء، ويحسن وصف الدواء، فنعود بشحنةٍ تُهيِّجُ كوامن النفس، وتستثير نوازع العمل، وتذكي عواطف الأمل، حتى أحببت الدعوة إلى الله، يحدوني الرجاء أن أبلغ رتبته، وأنال براعته، وأطاول همته، ولقد شرفني الله بصحبته ومجالسته، فوجدته يرشح بالأدب الجم، ويفيض بتواضعٍ معهودٍ، على جلالِ قدرٍ وسمو منزلة؛ ولكنه كرم الأصالة إن كريم الأصل كالغصن كلما ازداد من حمل تواضع وانحنى ومن ارتفع إلى تلك الربوة الطاهرة، وتبوأ صهوة الشرف الرفيع، لا يأمن من تحرش حاقد وضيع، واستفزاز هابط رقيع، يغتاظ من قذائف الحق وهي تخرج من فم الشيخ بلسان صدق، تحبط حاسداً فتطفئ ناره، وترعب دخيلا فتهدم أوكاره، وتفضح منافقاً فتكشف أسراره، ولهذا تجشم الشيخ عبء الرسالة، وتحمل ضريبة الدعوة، ودفع فاتورة الحق، وكِيدَ له كيداً كباراً، فاعتقل في زنازين الاحتلال، وضيق عليه أحفاد أبي رغال، ونهشته ألسنة السلوليين بالقيل والقال، وهو يمضي معتصماً بالكبير المتعال شعاره: من جاش بالوحي المقدس قلبه لم يحتفل بحجارة الفلتاء هددوه فما انثنى، أغروه فما انحنى، قاوموه فما ونى، بل جعل من حجارتهم المدحرجة في طريقه سلماً للصعود، وما زادته شائعاتهم إلا ثباتاً على هدفه المنشود، وهكذا المرء يعز ويسود، إذا نال منه سفيه حسود، فصبر واحتسب، ومضى في ثقة ويقين، لا يلين ولا يستكين، يسره أن يكون له خصوم من المجرمين، ويترنم بقول الشماخ: لقد زادني حباً لنفسي أنني بغيض إلى كل امرئ غير طائلِ وأني شقي باللئام ولا ترى شقياً بهم إلا كريم الشمائلِ وأجزم أن من علامات صدقه حسنَ خاتمته، وهو الذي خرج في إصلاح ذات البين، فقبضه الله شهيداً، فما أعظمها من خاتمة، فصحة النهايات من صحة البدايات، ومن كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة، وشهادته حياة لفكرته، فالرجل يموت وتبقى الفكرة، وبقاؤها مرهون بصلتها بالسماء، كما قال البنا رحمه الله، وتبقى كلماتنا عرائس من الشمع لا حياة فيها حتى إذا متنا في سبيلها انتعشت ودبت فيها الحياة. وكانت في حياتك لي عظات وأنت اليوم أوعظ منك حياً [color=red]الخطابة في حياة الشيخ [/color] لقد عُرِّفت الخطابة بأنها : ( فن مشافهة الجمهور للتأثير عليهم واستمالتهم )، والشيخ – رحمه الله- يمثل مدرسة في هذا الفن بما أوتي من فصاحة لسان، وحلاوة بيان، وقوة برهان، فهو يحلق في سماء الخطابة بجناحي الإقناع والإمتاع، فطرحه مقنع حين تنبجس منه الحجج الساطعة، والدلائل القاطعة، من آيات باهرة، وأحاديث زاخرة، وحكم زاهرة، وتجارب غابرة، لا يملك العقل أمامها إلا أن ينقاد، ولا يلتوي بعدها إلا من ركب الزيغ والعناد. وطرحه ممتع حين يتقاطر بلاغة وجمالاً، ويختال رونقاً ودلالاً، يحشد فيه الصورة المبتكرة، والمثل الوضَّاح، والشعر الحكيم، والبيان الأخَّاذ، والسجع الرطيب، والقصص الجذاب، فتَنْشَدُّ إليه الألباب، وتشرئب الأعناق لسحر الأسلوب ونضارة الخطاب. والخطبة عند الشيخ الشهيد أمانة ثقيلة، تؤدَّى بإنصاف، وتُلقى باحتراف، وليست تكليفاً مشفوعاً بأجرة من الأوقاف، ولقد سئل أحد الخطباء العظماء: لم يؤمك الناس؟ فأجاب: ( لأنني أحترم عقل السامع )، فأثر الخطبة بقدر ما يتعبد الخطيب بها مولاه، ويخلص في مسعاه، ويحترق لما ينزل بالأمة من مأساة، وهذا الذي جعل خطيباً مؤثراً يرد على ولده يوم سأله عن سبب بكاء الناس بين يديه دون سواه فقال: ( يا بني ، ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة )، فالشيخ يشعر أن كل مصلٍ أودعه ساعة من وقته، وهو مسئول عن هذه الودائع يوم القيامة أحفظ أم ضيع؟ فكان نعم الحفيظ ، ونعم المؤتمن، وما سمعه أحد من الناس إلا استبان له الجهد المضني، والكفاح الطافح الذي كفله أبو خليل ليغيث محبيه يوم الجمعة قطراً عاطراً سلسالاً، يصغون إليه في ساعة، ولعله أُعدَّ في أسبوع كامل، وسهر صاحبه الليالي الطوال وهو يجمع ويرتب وينمق ويهذب، حتى خرج إليهم في ثوب قشيب، وحلة فاخرة، ولقد نبئت أنه يعد الخطبة من عصر يوم الجمعة، وكأنه المعني بقول الشاعر: إن كنت ترجو أن تصيب رمية فاثقف سهامك قبل أن ترميها ولئن كانت اللغة وعاء للفكر فلقد جاءت إلى الشيخ تجر له الذيول، يصول في روضاتها ويجول، فهو نحوي لامع، وصرفي جامع، لا يستدرك السامع عليه لحناً في آدائه، ولا يعيب شيئاً من آرائه، وكم من خطيب وجه للنحو لطمات، وأذاقه الويلات، وأشبعه بالصفعات، تسمعه فتعذر الأعمش حين قال لرجل: ( من هذا الذي يتكلم وقلبي منه يتألم )، وتتمنى لو أنك خلوت به قائلاً : خطبت فكنت خطباً لا خطيباً أضيف إلى مصائبنا العظامِ ولا أشك في حوزة أبي خليل على القواعد النحوية حيازة وثيقة، ولكنه في الأداء أقرب إلى السليقة، شعاره: ولست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقيٌّ أقول فأعربُ وكثير من حملة الشهادات الكبيرة، والألقاب الشهيرة، من أهل اللغة يعجزون عن التعبير، ويخفقون في التفسير، وشتان بين من يحفظ القواعد والمتون، وبين من يمارس ويصون، ويبرأ من العلل واللحون. ولقد كان الشيخ نظير –رحمه الله وطيب ثراه- بلاغياً مجيداً، يمرر الأفكار ويقرر، ويفند ويبرر، ويستحوذ على القلوب آسراً حين يجمع بين الخبر والإنشاء، فيدين المستمع لمنطقه بالولاء، ويمتلئ بالانتشاء، تجد في ألفاظه إيحاء، وفي عباراته رصانة، وفي أسلوبه عذوبة، وفي عاطفته حرارة وصدقاً ، وفي أفكاره نوراً وحصافة، وفي توجيهاته رقة ورحمة، وفي بيانه روعة وجمالاً، يطرب الآذان، ويحرك الأذهان، ويرطب الوجدان، ويوقظ الوسنان، حين ينثر صوراً رشيقة، ومحسنات رقيقة، توصل إلى السامع فكرته، وهذه هي البلاغة، وإن عرفها البلاغيون بأنها الإيجاز؛ فهي له تميل، وتحت عباءته تقيل، فطول خطبته لا يطعن في بلاغته، وإنما يعاب الخطيب إذا أطال الشروح بعد الوضوح، وهام شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً يفسر الماء بالماء، وأما شيخنا فقد كان يجمل بلا طول تفصيل، ويوجز بلا زيادة إطناب، إلا إذا احتاج الأمر تفصيلاً، يروي غليلاً، أو إطناباً يبرئ عليلاً، ودليل ذلك أنك تبقى مشدوداً إليه، متابعاً لشفتيه، عيناك في عينيه، لا تصرف حواسك عنه حتى ينتهي، فهو لا يمل ولا يخل، وإلا لتسلل النعاس، وتثاءب الناس. والبلاغة كذلك في حركات الخطيب وانفعالاته، ولعله أبلغ في الوصول، وأسرع في إدراك المأمول، ولذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا خطب احمرَّ وجهه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم، ومن تفضل عليه المولى بمتابعة خطب الشيخ الجليل أبي خليل علم أنه إذا غضب لله زمجر وثار، وإذا بشَّر وطَمأن أشرق واستنار، وهذه من البلاغة. ومطابقة الكلام لمقتضى الحال من تعريفات البلاغة، ويوم كان أقرانه يزكمون أنوف الناس، بالحديث في الحيض والنفاس، وضرورة انكماش اللباس، كان الشيخ يحمل النبراس، ويؤسس لشمولية الإسلام في الطرح والتطبيق، يبرهن للأمة أن الإسلام سيف ومصحف، عبادة وقيادة، حكومة ودولة، شريعة ومنهاج حياة، ويصدح بها كثيراً على المنبر محذراً من الفهم المغشوش الذي يروجه الأعداء، ومن دار في فلكهم؛ لأنهم يريدون لنا ديناً مشلولاً معلولاً، لا يصلح لسيادة، ولا يُرشَّح لقيادة، ولذا زخرت خطب شيخنا بالقضايا الشرعية والروحية والإجتماعية والسياسية والعسكرية والعلمية والتربوية، يكرس بهذا النهج الراقي دور المسجد في الإصلاح الكامل، والتغيير الشامل، ويسكب في الأعماق المعنى الأصيل لشعار ( الإسلام هو الحل )، ويهيئ الأجيال لانطلاقة المحراب؛ التي هتف بها صناع المستقبل، ورواد الحضارة جاهرين: ( من جانب المحراب يبدأ سيرنا )، ولقد تأثر بنهج الشيخ وطريقته دعاة كثر، وإن كان الرجل لا يجارى ولا يبارى، وكأني به امتداد لمدرسة العز بن عبد السلام، وابن تيمية، وعبد الحميد كشك – رحمهم الله – وإذا كانت الثقافة من أبرز الخصائص التي ترشح الخطيب للنجاح والتوفيق، فشيخنا الشهيد كان موسوعة ثقافية، يغدق علينا في خطبه من الأدب أفناناً، وينثر فينا من أحداث التاريخ نرجساً وريحاناً، ويرشفنا من الحكم والمواعظ أشكالاً وألواناً، فهو غزير التحصيل، قوي التأصيل، عميق التحليل، دقيق التأويل، يحمل ثروة من المعارف والعلوم الإنسانية، وعنده خبرة ودراية بما يجري في العالم من نزاعات إقليمية، وفتن داخلية، ولعله تأثر بما أشارت إليه سورة الروم من توجيه المسلمين للإحاطة بالسياسات الدولية في قوله تعالى : ( ألم ، غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ). وأما الموهبة عند الشيخ نظير – رحمه الله – فكانت فطرية بادية جُبل عليها، إذا جالسته وحدثك بصوته الحنون الخفيض؛ لا تكاد تصدق أنه الهادر على المنبر الصدَّاح الجهور، الذي ينثال الكلام على لسانه كالسيل من قمم الجبال، وكأنه يقرأ من كتاب، فلا تلعثم ولا ارتياب، وإنها والله منحة من الكريم الوهاب، وما كان ذلك إلا لصدق سريرته، وصفاء نيته، وهكذا يصنع الإيمان العميق، والاتصال الوثيق، يترك أثراً في نفوس السامعين؛ فتدمع العين، ويوجل القلب، وتخشع الحواس، وكما قال عبد القادر الجيلاني: ( كن صادقاً في السر تكن فصيحاً في العلانية ). إن الخطابة عند الشيخ لا تحيط بها مقالة تقرأ في دقائق معدودة، وما كنت والله أرغب في المشاركة – مع مكانة الشيخ من قلبي – لا لشيء إلا لشعوري بأني لو ألفت مجلداً من عشرة آلاف صفحة لكان قاصراً عن الوفاء، عاجزاً عن الثناء، ولكن حسبي أن أجود بالدعاء، وقد جاد الشيخ الماجد بالدماء، ورجائي أن يكون عملي باكورة خير قابلة للنماء فإن قدرة مثلي غير خافية والنمل يعذر في القدر الذي حملا