18.02°القدس
17.74°رام الله
16.64°الخليل
22.81°غزة
18.02° القدس
رام الله17.74°
الخليل16.64°
غزة22.81°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: اللَّمَّازون

لا يخلو مجتمعٌ من منافقين جشعين، حسودين نمَّامين، مغتابين ثرثارين، أفّاكين وقِحين، عيونُهم فارغة، مهما امتلأت جيوبهم، ونفوسهم جائعة، مهما أُتخمت بطونهم، لا يسمعون عن مالٍ وصل إلى فقراء إلا طمعوا فيه، ولا يعرفون عن متاعٍ قُسِّم على محتاجين إلا طالبوا بنصيبٍ منه، ولا يحصلون على صدقة إلا استقلُّوها، ولا على أُعطيةٍ إلا ازدروها، ولا يُجازون المحسنين إليهم إلا بالذّم والتجريح، فتراهم يخوضون في أعراض المسئولين الذين لم يُعطوهم، ويلعنون الأغنياء الذين نسوهم، ويتهمونهم بقلّة العدل، والبعد عن النزاهة، ولا يسْلَمُ من ألسنتهم حتى الفقراء والمساكين الذين نالوا ما لم ينالوا هم، أو حصلوا على أكثر مما حصلوا عليه هم، فتسمعهم ينهشون أعراضهم بوقاحة، ويأكلون لحومهم بشراهة. ولا عجب من وجود هؤلاء في المجتمعات المؤمنة المسلمة الطاهرة النظيفة؛ فإنهم وُجِدوا حتى في المجتمع الإسلامي في العهد النبوي، إذ يُروى أن أعرابيًا أتى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهو يقسِّم ذهبًا وفضة، فقال: "يا محمد، والله لقد أمرك الله أن تعدل وما عدلت"، فقال نبي الله (صلى الله عليه وسلم): "ويلك؛ فمن ذا يعدل عليك بعدي؟!"، ثم قال نبي الله: "احذروا هذا وأشباهه، فإن في أمتي أشباه هذا، يقرءون القرآن لا يجاوز تَرَاقيَهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم". وأخرج الشيخان أن ذا الخُوَيصرة _واسمه حُرْقوص_ اعترض على النبي (صلى الله عليه وسلم) حين قسّم غنائم حنين، فقال له: "اعدل، فإنك لم تعدل"، فقال: "لقد خِبتُ وخسرتُ، إن لم أكن أعدل"، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد رآه مقفيًا: "إنه يخرج من ضِئْضِئ هذا قوم يحقرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين مُرُوق السهم من الرَّمِيَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء". وفي هؤلاء وأمثالهم في مختلف العصور نزل قول الله (تعالى): {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}. وعلى أيدي أمثال هؤلاء الأجلاف قُتِلَ الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وبسببهم فُتِح باب أكبر فتنة في تاريخ المسلمين، وانقسمت الأمة إلى عشرات الطوائف والفرق، إذ خرج عليه منافقون وجهلة من مصر والعراق، رافعين شعارات العدالة والنزاهة والالتزام بالدين، وزعموا كاذبين أنه يحابي أقرباءه بالمناصب والأموال، وحاصروه في داره، ومنعوا عنه الطعام والماء حتى الخروج إلى الصلاة في المسجد، ويُروى أنه حاول ثنيهم عن قتله؛ حتى لا يفتحوا باب الفتنة على الأمة، فذكَّرهم بمكانته عند النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأنه زوَّجَه ابنتيه رقية وأمّ كلثوم، وأنه بشَّره بالجنّة وبالشهادة، ومما قاله لهم: "أنشدكم الله، هل علمتم أنّي اشتريتُ بئر رومة من مالي، فجعلت رشائي فيها كرشاء رجل من المسلمين؟"، قيل: "نعم"، قال: "فعلامَ تمنعونني أن أشربَ منها، حتى أُفطر على ماء البحر؟!، أَنْشُدُكُمُ الله، هل علمتم أني اشتريتُ كذا وكذا من الأرض فزِدْتُه في المسجد؟"، قيل: "نعم"، قال: "فهل علمتم أنّ أحدًا من الناس مُنِع أن يصليَ فيه قبلي؟!، أنشدكم الله هل سمعتم نبي الله (صلى الله عليه وسلم) يذكر كذا وكذا (أشياء في شأنه عدّدَها)؟"، لكن هذا الفضل العظيم، وهذه الحجج الدامغة لم يمنعاهم من قتله، وهو يقرأ في كتاب الله، وقد نضح دمه على آية: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}، وقد انتقم الله (تعالى) شر انتقام من كل من شارك في الخروج عليه، إذ "إنّ عامة الذين ساروا إلى عثمان جُنُّوا". فليحذر اللمَّازون الذين يطعنون المتصدَّقِين المُحسنين، من الأغنياء والمسئولين، وليعلموا أنهم في دائرة النفاق، وأن نبيَّ الله (تعالى) قد أحلّ للمسلمين دماءهم، إن لم يعودوا إلى دينهم، ويتوبوا إلى ربهم، ويكُفُّوا ألسنتهم.