18.57°القدس
18.28°رام الله
17.19°الخليل
23.49°غزة
18.57° القدس
رام الله18.28°
الخليل17.19°
غزة23.49°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: تلك كانت البداية ...

كان ذلك قبل نحو عشرين عاماً حينما توجهت الى إحدى السفارات الأوروبية في مدينتي بهدف الحصول على تأشيرة دخول. كان الوقت صباحاً والطقس حاراً وتكسو السماء طبقة من الغبار العالق الخانق. حينما وصلت كانت القنصلية قد فتحت أبوابها - أو بالأحرى نوافذها - للتو. أعدادٌ هائلة من الشباب بين الثامنة عشر والخامسة والعشرين متأهبون أمامي، بعضهم يتحدث بصوت عالٍ وبعضهم يبدو وكأنه يتهيأ لعراك.. الكل يحاول الحصول على شيء ما لم أدرِ كنهه بادئ الأمر. بعد هنيهة أعرف أنه كبون به رقم يضمن لحامله الدخول الى مبنى القنصيلة ومقابلة المسؤول، وهي خطوة أولى للحصول على استمارة طلب التأشيرة. كانت هذه سفارة واحدة وكان هذا يوم واحد وكانت تلك تجربة قصيرة... وبعد مسح سريع تبين لي أن الحال لا يختلف كثيراً في بقية سفارات الدول الغربية، أوروبية كانت أم أمريكية. تجادلنا كثيراً وقتها حول هذا المشهد في مجالسنا الخاصة وذهبنا، في تحليل الظاهرة، الى أن فئة الشباب فقدت الأمل والثقة في دولة تخصهم بالرعاية وتضمن لهم مستقبلاً مشرقاً، وهذا يدفع بالكثير منهم الى الدخول في مغامرات قد لا تكون عواقبها محسوبة بدقة. يمكن القول وبكل ثقة إن تلك الظاهرة في ذاك الوقت كانت منتشرة في أغلب دول المنطقة باستثناء دول قليلة. خلاصة تلك التجربة، إذا ما تم تقييمها في إطار ما يجري اليوم من طوفان عبر المتوسط، تؤكد على أن الكل كان حينها ملتزم بقواعد النظام الذي تضعه الدول لدخول أراضيها، بيد أن بعض التجاوزات قد تحدث على مستوى التفاصيل. أما الآن فقد أضحى واضحاً أن هناك من لم يعد يأبه بهذه النُظم، وهذا يعتبر تحولاً نوعياً في سلوك الأفراد والجماعات. عقدان من الزمان تنحرف خلالهما الاحداثيات بشكل حاد وتعصف رياح باردة وساخنة بدول كثيرة في الاقليم... ولا يعد الأمر يتعلق بشباب حانق ساخط وحسب، بل أسر بأكملها أضحت جزءاً من قصة موت معلن. يدخلون في مغامرات خطيرة وهم يدركون بشكل جلي أن أحد عواقبها قد يكون الموت والتحول الى رقم مجهول الهوية ومجهول المقبرة... لكن من تقوده أقداره الى تلك القوارب سيقول لك دون تردد... إذا عبرت المتوسط الى نعيم أوروبا سأعيش أنا وابنائي سعيداً ومكفولا برعاية الدولة ما دمنا احياء، وإذا لم أصل... فالموت ليس مفاجأة وأنا أنتظره في كل لحظة، كان ذلك غرقاً في عرض بحر هائج أو تحت برميل متفجر أو بطلقات قناص غادر أو في أفضل الأحوال بفعل جوع ما فتأ ينهش اجسادنا النحيلة وأرواحنا المكسورة. إذاً ما شاهدته ذات صباح حار أغبر قبل أكثر من عقدين لم يكن سوى البدايات الأولى لسيناريو كارثي، وقد تهيأت له الآن الظروف الموضوعية ليزدهر وينمو، وفي سبيل مواجهته سيحتاج العالم، بشماله وجنوبه، ما هو أكثر من مجرد قوانين تسن وقمم تعقد طارئة كانت أو عادية.