18.58°القدس
18.41°رام الله
17.19°الخليل
24.73°غزة
18.58° القدس
رام الله18.41°
الخليل17.19°
غزة24.73°
الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
4.97جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.14يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.97
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4.14
دولار أمريكي3.72

خبر: قصّة نجاح .. المستثمر البارع والمدير المكافح

جاء ميلاد أندرو كارنيجي Andrew Carnegie في جنوب اسكتلندا في 25 نوفمبر 1835 لأب فقير عمل نساجا يدويا في صناعة النسيج، وكان بيت العائلة مكونا من غرفة واحدة، وكان والده ويليام عصاميا بحق. لم يتلق قسطا من التعليم لكنه علم نفسه بنفسه رغم فقره، وكان يؤمن بأهمية العلم والتعلم. بدأ أندرو كارنيجي (أو أندرا كما كان أبوه يكنيه) تعليمه الرسمي وسنه 8 سنوات، وكان هذا هو القسط الوحيد من التعليم الذي حصل عليه، ذلك أن والده كان يعاني من منافسة الآلات البخارية والتي بدأت تدير مصانع النسج مقابل التخلي عن العمالة اليدوية، حتى جاء اليوم الذي لم يعد والده ويليام قادرا على العثور على أي فرصة عمل. ولأن تلك الفترة شهدت ذيوع صيت الأرض الجديدة: الولايات المتحدة الأمريكية، ولأن والدة أندرو كان لها أخوات يسكن في أمريكا، قررت العائلة بيع كل ما لديها من ممتلكات واقتراض المال اللازم للهجرة إلى الأرض الجديدة. ركبت العائلة السفينة المبحرة إلى نيويورك، في رحلة استغرقت 50 يوما، ووصلت في صيف 1848 وحطت رحالها في مدينة بيتسبرج، بنسيلفانيا، وكان سن أندرو عندها 13 ربيعا. بعد الوصول، حاول الأب العمل في مهنته السابقة دون جدوى، حتى اضطر للعمل في مصنع للأقطان يملكه مهاجر اسكتلندي، وهناك حيث وجد الأب وظيفة لابنه؛ عامل تغيير بكرات، مسؤوليته تغيير بكرات خيوط القطن كلما امتلأت، لمدة 12 ساعة يوميا، على مر 6 أيام في الأسبوع، مقابل دولار و20 سنت في الأسبوع. [color=red]أندرو كارنيجي : الوظيفة الأولى [/color] كانت الوظيفة الأولى في حياة أندرو كارنيجي كئيبة ومرهقة ومتعبة، كان يستيقظ مبكرا مع والده، ويتناولان ما توفر من طعام في الظلام الذي يسبق ضوء الفجر، ثم يدخلان المصنع في الظلام، ثم يستمران في العمل دون انقطاع إلا لوهلة قصيرة لطعام الغداء، ثم يخرجان من المصنع في ظلام الليل ويعودان للنوم وتكرار الأمر. الشيء الوحيد الذي هون على أندرو كارنيجي هذا التعب هو معرفته أنه كان يساعد عائلته بشيء ما عن طريق راتبه الضئيل، وأنه انسان مفيد لمجتمعه ولعائلته. بعدها احتاج رجل أعمال صناعي صديق للعائلة إلى صبي يؤدي له بعض الخدمات في مصنعه، فعرض الأمر على أندرو فرحب به، مقابل راتب قدره دولارين في الأسبوع، إلا أن العمل هذه المرة كان أشق من سابقه، لكن أندرو تحمل وصبر وتجلد، حتى جاءته الفرصة حين احتاج رب العمل نفسه لمن يكتب له بعض الخطابات الورقية، فطلب ذلك من أندرو وأعجبته النتائج الأولية، فأوكل إليه مسؤولية كتابة ومتابعة الفواتير والحسابات الخاصة به. هذه الفترة مهمة، ذلك أنها ساعدت أندرو على تعلم بعض أساسيات المحاسبة وطرق تقييد النقدية والنفقات والمصاريف. [color=red]أندرو كارنجي : الوظيفة الثانية [/color] بعدها بعام ونيف في 1850، عثر أندرا على وظيفة صبي توصيل رسائل البرق / التلغراف عن طريق قريب له، مقابل دولارين ونصف في الأسبوع، وهناك حيث أثبت كفاءته وحرفيته، الأمر الذي أهله للحصول على ترقية أسرع من أقرانه. كان أندرو سعيدا بطفوه إلى السطح، إلى عمله في ضوء النهار، بعيدا عن الشحم والفحم والزيوت والخيوط. بسرعة اكتسب أندرا خبرة وأثبت كفاءته في عمله، حتى أنه بدأ يحول طقطقات التلغراف إلى كلمات فور سماعها، وبدأت خبرته ومعارفه تزيد، وبدأ يلم بما يحدث حوله في العالم عن طريق البرقيات التي كان يتلقاها ويكتبها، وتعرف على التجارات والصناعات الرابحة – خاصة السكك الحديدية التي كانت تشهد نموا مستمرا، وتابع مجريات السياسة العالمية، وتعرف كذلك على الأخبار الصحفية وطرق كتابة الأخبار، إذ كانت البرقيات الوسيلة الوحيدة وقتها لنقل الأخبار من أماكن وقوعها إلى أماكن طبعها ونشرها. هذا التفاني ساعده على الترقي بسرعة. [color=red]كن ملكا في أحلامك – Be king in your dreams أندرو كارنيجي – Andrew Carnegie أندرو كارنيجي : الوظيفة الثالثة[/color] مرة أخرى، كان لتفوق أندرا في عمله وتفانيه الأثر المساعد على عثوره على وظيفة أفضل، ذلك أن رجل الأعمال طوماس سكوط (Thomas A.Scott) والذي كان يعمل في شركة بنسلفانيا للسكك الحديدية، تعرف على أندرو في محل عمله فعرض عليه أن يترك مكتب التلغراف ويأتي ليعمل معه، كمسؤول برقيات وأمور أخرى، وهو ما حدث بالفعل في عام 1853. كان لهذا الرجل أفضل الأثر على حياة أندرو العملية، إذ علمه الكثير وشجعه وساعده على استثمار ماله، ونصحه في عام 1855 بأن يستثمر مبلغ 500 دولار في شركة سكك حديدية، وكان هذا الاستثمار ناجحا شجعه على اقتراض 1250 دولار من البنك للاستثمار في شراء 1/8 شركة سكك حديدية جديدة تقدم عربات النوم الفاخرة. بسرعة ساهمت عوائد الاستثمار في هذه الشركة في سداد القرض، حتى أن هذا الاستثمار وحده كان يعود على أندرو بقرابة 5 آلاف دولار سنويا. [color=red]الحرب – دمار و ازدهار [/color] في عام 1861 اندلعت الحرب الأهلية في أمريكا، وتم نقل أندرو ومديره سكوط للعمل في العاصمة واشنطن لدى الجيش في إدارة الاتصالات عبر التلغراف ونقل المؤن الحربية عبر السكك الحديدية، وحدث أن انقطعت خطوط التلغراف بين مناطق عديدة، فتطوع أندرو للذهاب للخطوط الأمامية لكي يصلح هذا العطل. هذه الفترة ساعدت أندرو كثيرا ليكتسب مهارات تتعلق بإدارة الموارد والأفراد والنقل والشحن، وعن تقليل التكاليف واقتصاديات الحجم الكبير. الجدير بالذكر أن هذه الحرب الأهلية عادت بأرباح كبيرة على بعض الصناعات الأمريكية، أهمها السكك الحديدية، التي كان لأندرو فيها استثمارات كثيرة. ومن استثمار لآخر (خاصة في مجال النفط وخام الحديد، الذي كان في بدايته) حتى نمت ثروة أندرو. في هذه الأثناء، سافر أندرو مع والدته إلى مسقط رأسه، وهناك حيث شاهد بعينه المستقبل الواعد لصناعة الفولاذ / الصلب، والذي كان – بدوره – يحل محل صناعة الحديد التقليدية. الرحلات المتتالية إلى انجلترا جعلته يتعرف على الطرق الجديدة لتصنيع الفولاذ بحجم كبير وتكلفة أقل. لعله يجب علي توضيح أن الحرب الأهلية ساعدت بشدة على بناء شبكة سكك حديدية مترامية الأطراف تصل لمختلف ربوع الولايات المتحدة، الأمر الذي ساهم في بناء اقتصادها ونهوض مختلف صناعاتها. [color=red]اندرو كارنيجي : المستثمر الناجح والمدير المكافح [/color] في هذا الوقت، توفر لدى أندرو رؤية اقتصادية واستثمارية جيدة جدا، الأمر الذي شجعه على استثمار 40 ألف دولار من ماله في شركة جديدة تعمل في استكشاف آبار النفط. بعد مرور عام واحد، حقق هذا الاستثمار عوائد بأكثر من مليون دولار، في صورة توزيعات نقدية وحصص أسهم. بشكل مواز، بدأ أندرو يتغلغل باستثماراته في صناعة الصلب، والتي كانت بدورها تشهد ازدهارا بسبب الحرب الأهلية وبعدها، حتى أن أندرو قرر في عام 1865 ترك صناعة السكك الحديدية ليركز على الصناعة الجديدة: الفولاذ / الصلب. هذه المرة، بدأ أندرو يستثمر في شراء أراض تبشر باحتوائها على خام الحديد اللازم في هذه الصناعة، ومرة أخرى، حقق أندرو نجاحا كبيرا في هذا الشأن. في الأول من يناير من عام 1873 أسس أندرو شركة: ’كارنيجي و ماكندليس وشركاهما لقضبان الفولاذ‘ في موقع قريب من خطوط السكك الحديدية، إلا بأنه بنهاية هذا العام، حلت أزمة اقتصادية على أمريكا، جعلت البنوك تفلس والشركات تخسر، واضطر العديد من شركاء أندرو للتخارج من تشاركهم معه، حتى بدا أن مستقبل هذه الشركة الجديدة يترنح وربما انتهى سريعا. اضطر أندرو للتدخل بسرعة، فباع الكثير من استثماراته الأخرى واشترى نصيب الشركاء الذين تخارجوا من الشركة، حتى امتلك أندرو غالبية أسهم الشركة، وتمكن بذلك من إكمال بناء الشركة قبل نهاية عام 1874. في نشاطه الجديد، نجح أندرو في تصنيع قضبان السكك الحديدية بجودة عالية وتكلفة أقل وبسهولة أكبر، وأدخل تعديلات تقنية ثورية على هذه الصناعة، وبدأ يجعل دورة إنتاج الحديد الصلب متصلة دون انقطاع، بدءا من استخراج خام الحديد حتى صهره وصنعه في مكان واحد، بفضل ما سبق وتعلمه في شبابه وفي سفرياته، الأمر الذي عاد عليه بالربح الوفير، وساعده على شراء الشركات المنافسة له، ليتوسع ويبني إمبراطورية واسعة ويجمع ثروة ضخمة للغاية. في عام 1886 تلقى أندرو ضربتين قاسيتين، إذ توفت أمه ثم أخوه خلال أيام، ولما كان مصابا ساعتها بالتيفود، وكان يُخشى على حياته إذا علم بهذه المصيبة، أخفى عنه الخبر من حوله. بسبب حب أندرو الشديد لوالدته قرر ألا يتزوج، حتى إذا بلغ 51 سنة وبعد وفاة والدته قرر أن يتزوج ورزقه الله بعدها بابنة وحيدة. الطريف في القصة أن الزوجة الجديدة أعجبت بالخلفية الاسكتلندية لزوجها، حتى أنها طلبت من زوجها شراء بيت للعائلة في اسكتلندا بعد ولادة الابنة الوحيدة، وهو ما نفذه أندرو وزيادة، ذلك أنه أنفق بسخاء على إصلاح وتجديد البيوت وتعمير المنطقة وتطوير شبكة الطرقات المحيطة بالقصر الذي بناه، وهو الأمر الذي استفاد منه سكان المنطقة. الشيء الذي يجب ذكره أيضا أنه بسبب ضعف صحته مع كبر سنه، لم يتمكن أندرو من تحمل حرارة الصيف في أمريكا، ولذا كان يقضي قرابة نصف السنة في أوروبا. هذا الاعتلال في صحته أوجب على أندرو حسن انتقاء المدراء الذين كانوا يتولون إدارة شركاته واستثماراته في غيابه. في عام 1889 كان أندرو كارنيجي مالكا لأكبر شركة حديد صلب في العالم كله. [color=red]أندرو كارنيجي : المتبرع السخي [/color] بعدما بلغ من العمر 65 عاما في عام 1901، قرر أندرو أن الوقت حان له كي يتقاعد، ولذا قرر بيع تجارته كلها، بمقابل قدره 480 مليون دولار (وكان نصيبه الخالص منها قرابة 250 مليون دولار + 5% حصة في شركة الفولاذ الجديدة التي اشترت حصته، ما جعله ربما أغنى رجل في العالم ساعتها)، وقرر أن يقضي ما تبقى من حياته في مساعدة الآخرين. قبلها كان أندرو يبني المكتبات العامة في أمريكا وانجلترا والبلاد التي تتحدث الانجليزية، ويتبرع بالمنح السخية في أوجه الخير، خاصة المتعلقة بالتعليم والتطوير، وكان ينفق على تمويل قرابة 3 آلاف مكتبة عامة في بلاد مختلفة، وبنى جامعة حملت اسمه في أمريكا وأخرى في موطنه الأصلي، ومراكز صحية وعلمية وموسيقية وفنية، وكتب عدة مقالات وكتب، ذات علاقة بالثروة المالية وكيفية اكتسابها، حتى مات في صيف عام 1919 بعد التهاب رئوي أصابه، نال منه بعدما أصابته الحرب العالمية الأولى باكتئاب لفشله في إقناع العالم بأهمية السلام. بنهاية حياته، وجد البعض أن أندرو أنفق قرابة 350 مليون دولار على مر حياته في أوجه الخير والتبرعات، والأبحاث والتطوير وتحسين حياة البشر. هل تذكر كتاب التفكير للثراء أو Think and Grow Rich لمؤلفه نابليون هيل والذي صدرت أول نسخة منه في 1937؟ حسنا، صاحب الفضل في فكرة هذا الكتاب هو أندرو كارنيجي والذي اقترح فكرته في عام 1908 على صحفي ناشئ واعد اسمه نابليون، وجلس معه جلسات طويلة وعرفه على ناجحين آخرين وساعده على مقابلتهم ليساعده على وضع الأسس الصحيحة لاكتساب الثروة ليضعها في كتابين، قوانين النجاح المنشور في 1928 والتفكير للثراء. الكتابان نُشرا بعد وفاة كارنيجي. [color=red]الشاهد من القصة [/color] لا تتسرع فتحكم على الرجل بأنه نجح بسبب الصدفة أو لأن الأقدار ساعدته. أندرو كارنيجي مكافح ذكي لماح، مثابر صابر عنيد، يتعلم مما حوله ويؤمن (مثل والده وربما منه) بأهمية العلم والتعلم والتعليم، ويؤمن بأن التقنية قادرة على خفض التكاليف وصنع منتج أفضل. أندرو متفائل رغم ما نزل به، وكثيرا ما قال مقولات بليغة في أهمية التفاؤل والانشراح. أندرو كارنيجي من المؤمنين بأهمية وضع كل البيض في سلة واحدة، ثم مراقبة هذه السلة عن قرب. يؤمن بأهمية التركيز على تجارة / صناعة واحدة. أندرو يؤمن بأهمية الصبر حتى نيل المراد، وعدم التسرع، ووضع هدف وحيد ثم تحقيقه ثم الانتقال لهدف آخر، وعدم الاكثار من الأهداف المراد تحقيقها في ذات الوقت. في الختام، الدرس الذي يجب ألا نغفل عنه هو إنفاق المال في أوجه الخير، ليس فقط في إطعام بطن الفقير بل في تعليمه وإطعام عقله وطموحه. البطن تجوع، وكذلك العقل والذهن. لا تطعم الفقير بل علمه كيف يسد جوعه من عمل يده. أتطلع لليوم الذي أجد فيه أغنياء العرب يبنون الجامعات التي تحمل أسماءهم، ويجلبون ويتكفلون بالنوابغ في هذه الجامعات، من مختلف الجنسيات والألوان والديانات، لتكن بلاد العرب مرادفا للتقدم العلمي والتطوير. ماذا عنك أنت عزيزي القارئ، حتما وجدت في القصة دروسا مفيدة فلما لا تشاركنا بها ودع عنك الكسل وحب الصمت. أهم مصدر اعتمدت عليه في تفاصيل هذه القصة هو السيرة الذاتية التي كتبها أندرو كارنيجي لنفسه والمتوفرة على المشاع هنا.