15.01°القدس
14.77°رام الله
13.86°الخليل
18.24°غزة
15.01° القدس
رام الله14.77°
الخليل13.86°
غزة18.24°
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.66

خبر: شرق إسلامي جديد .. مفارقات وملابسات

أمر مثير للوهلة الأولى، أنْ نرى "الشرق الأوسط" وهو ينحو باتجاه معاكس لما خطط له دهاقنة "المحافظين الجدد"، وسهرت من أجله مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية، وما تبع ذلك من نفقات مهولة وحروب كارثية. لقد كانت الدبلوماسية الأمريكية من الثقة بمكان، ومن خلفها نصيرتها الأوروبية، أنْ وعدت العرب والمسلمين في عشرات المناسبات، أو هددتهم، ب"شرق أوسط جديد"، واشتهرت هذه الوعود على ألسنة "دينيس روس" و"مادلين أولبرايت" و"كونداليزا رايس"، إضافة إلى أقوال وتصريحات رؤسائهم، شرق أوسط - حسب زعمهم ووعودهم - قائم على أنظمة ديمقراطية تؤمن بالتعدد الحزبي والتداول السلمي للسلطات، إضافة إلى الحرية والعدل والمساواة والنماء الإقتصادي. وتأكيداً لهذه الوعود والنبوءات، وقفت الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية بكل إمكانياتها داعمة لنظام حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح والعديد من الأنظمة العربية والإسلامية. ولكن المفاجئ في الأمر، أنْ تذهب تلك الجهود الأمرأوروبية الجبارة أدراج الرياح، مع أول ربيع عربي إسلامي، وتطير مع هذه الجهود الأموال التي لا تحصى، وتضيع أهداف الحروب التي اصطنعت سدى، والتي كلفت الولايات المتحدة وحدها إضافة إلى الأزمة المالية، ديوناً بلغت 15 تريليون دولاراً، وتسببت لها ولأول مرة في تاريخها مصيراً هو أقرب إلى حافة الإنهيار، أما بالنسبة للإتحاد الأوروبي فإنه موعود بمصير مشابه لصديقه اللدود الأمريكي، نتيجة تفاقم الأزمة المالية بشكل يخرج عن السيطرة . أمر مثير كذلك، أنْ يقف الكيان الصهيوني إزاء هذه الأحداث الربيعية المدوية، موقف الواثق من نفسه ودون أنْ ترجف له جفن، برغم أنها تجري حوله وتلتف حول عنقه، بل ويقوم الكيان بإخراج العديد من الملفات المؤجلة من الأدراج ويشرع في تنفيذها، وتستوي عند الكيان ملفات تهويد المدينة المقدسة، فيوشك عن الإعلان عنها عاصمة ليهود العالم أينما حلوا، أو ضرب العمق السوداني أو التصعيد ضد تركيا، أو التجهيز لضرب إيران، بينما وللمفارقة، لم تكن إسرائيل أقرب إلى استنفاد أسباب وجودها من هذه الأيام التي تقضيها، حتى قال بعض زعمائها "أنّ أعدى أعداء إسرائيل اليوم هو نفسها"، و"إنّ جماعات المستوطنين والأصولية اليهودية التي تنتهج أسلوب الإرهاب ضد الفلسطينيين سوف تتجه قريباً بإرهابها نحو المجتمع الإسرائيلي، وأنها، أي الأصولية اليهودية، أخطر على إسرائيل من القنبلة النووية الإيرانية". ويبدو أنّ ما تقوم به إسرائيل من استعراض للعضلات في وجه خصومها هذه الأيام هو من سبيل تخويفهم من قوة وهمية لطالما تغنت بتفوقها وجبروتها، متغافلة نصائح محبيها وأنصارها، من الساسة والدبلوماسيين وكبار الصحفيين، بضرورة التعقل والقبول بتسوية سياسية عاجلة مع الفلسطينيين وسلوك نهج التصالح مع جيرانها، ومتجاهلة لنصائح العشرات من جنرالات الأمن وقادة أجهزة الموساد والشاباك. وقد أشارت إلى هذا صحيفة "نيويورك تايمز" الصادرة خلال الشهر الماضي، حيث كتبت أنّ "إسرائيل تواجه هذه الأيام أكبر عملية تآكل لبيئتها الإستراتيجية منذ تأسيسها". ومن المفارقة، أنّ "العدو، الفزاعة" الذي ظلت المنظومات السياسية الدولية المتعاقبة ولأكثر من ستين عاماً، تخوف منه إذا أقبلت أو تخوف به إذ أدبرت، كان محصوراً في الإسلام السياسي بشكل عام، وبجماعات الإخوان المسلمين بشكل خاص، حتى صار في حكم المفروغ منه، أنّه لن تقوم لهذا الإسلام، وتحديداً للإخوان المسلمين قائمة أبداً، بسبب ما تلقوه وعبر عشرات السنوات من التشويه لصورتهم ومن السحق لمؤسساتهم، ومن التعذيب والموت لقاداتهم وأبنائهم، إلا أنه وعلى العكس من ذلك، فقد كان للإخوان، وفي ميادين الثورات تحديداً، الدور الأبرز في المشاركة في إيقاف دوامة الفساد والهوان الحاصلة في أنظمة العرب والمسلمين، ليس ذلك فقط، وإنما أعطى المراقبون "الإخوان المسلمين" شهادة بأنهم الأكثر تنظيماً واقتداراً، فيما يخص ضبط الإيقاع الحساس، فيما بين الثورة السلمية ومنعها من الإستدراج لملعب الثورة المضادة، وبين العمل على حماية النسيج العام للمجتمع وتغليب مدنية الدولة على طائفيتها، أو انزلاقها نحو التمزق أو الحروب الأهلية. وتتمة للمفارقة السابقة، فقد رافقتها مقاربة من جهة أخرى، وهي أنّ ما رعته الأنظمة العربية والإسلامية من "جهات الفتوى الرسمية"، وما صار "بعضهم" معروفاً ب"علماء السلفية" على اختلاف مذاهبهم وطرقهم، فقامت الأنظمة بدعمهم لسنوات طويلة، وفتحت أمامهم سبل العمل والدعوة والإنتشار، فكان أنْ حرّمَ هؤلاء "السلفيون"، عشية الثورات وخلالها، الخروج (إلى) الحكام، بذريعة أنه خروجاً (عليهم)، وحرّموا كذلك (التظاهر والإحتجاج) في الميادين، بذريعة أنّ (قتال) الحكام منهيٌ عنه إلا أنْ يرى الناس من الحكام كفراً بواحاً، وحرّم بعضهم المشاركة في الإنتخابات، وبرغم ذلك فقد كانت المفارقة أنّ أكثر الناس لم يأخذوا دينهم وفتاواهم عن هؤلاء، ساعة الإنتخابات، برغم تصديهم لمجالس العلم وخلوّ ميادينها لهم، وإنما أخذوه عمن كانوا مضطهدين وملاحقين، فرأوا فيهم أنهم منهم ومعهم، وحكم الناس بفطرتهم على أيّ الفريقين أقرب لأحكام الدين من الفريق الآخر. وبرغم أنّ الإخوان المسلمين يكادون يكونون أبرز ما في الحدث السياسي الثوري عبر المشهد العربي الإسلامي، وبرغم أنّ التاريخ، وبحسب ما يزعم بعض المؤرخين المعاصرين، قد يذكر هذه الحقبة من تاريخ العرب والمسلمين، والتي قد تمتد لعشرات أو مئات السنين ب "العصر الإخواني"، على غرار "العصر الأيوبي" أو "العصر السلجوقي"، نسبة إلى (أبرز الحركات) الفاعلة وقتئذ، فإنه من الواجب على الجميع أنْ يبذل أقصى الجهد في تقديم الإسلام الحنيف الصافي للأمة جمعاء وللبشرية كافة. وأنا هنا لا أقلل من شأن الإخوان المسلمين وما قدموه للأمة خلال ثمانين عاماً مضت، ولا من مصداقية علمائهم وعلى رأسهم فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، إلا أنه سيكون من الخير للإسلام والمسلمين أن يقال "شرق إسلامي جديد"، على أن يقال "شرق إخواني جديد". هذه المفارقات وسواها الكثير تنبئ عن أحداث تاريخية كبرى ما زالت في أولها، ومعظم النار من مستصغر الشرر، والمراقب لمجمل الأحداث يرى أنها لا تقتصر على الشرق العربي فقط ، وإنما تسري متخللة الدول والحضارات من أقصى الشرق إلى أقاصي الغرب. وأنا أزعم أنّ بداية الأحداث انطلقت مع أول حجر ألقى به طفل فلسطيني في وجه الإحتلال الإسرائيلي عام 1987، فيما سمي بالإنتفاضة المباركة الأولى، فكان ذلك إرهاصاً ببدء الثورات السلمية، لولا أنّ اللئام تظاهروا على عجل لإجراء عملية قيصرية ب"غرفة عمليات أوسلو"، وذلك لاستئصال هذا المولود الخطير "طفل الحجارة" الذي يهدد بسقوط العروش، الأمر الذي أدى إلى تسلم الكيان الصهيوني في أعقاب "اتفاقية أوسلو" مقاليد التسلط المطلق على العديد من حكومات العالم "الديمقراطي"، عدى عن العديد من حكومات العالم العربي والإسلامي. وانفتحت الأسواق للإقتصاد الصهيوني من أوزبكستان شرقاً حتى موريتانيا غرباً، وعرفت إسرائيل من ذلك التاريخ ب"إسرائيل الكبرى"، وتضاعف دخلها القومي من 60 ملياراً دولار سنوياً إلى 165 ملياراً، وتبع ذلك رياحاً عاتية من الظلم والفساد والحروب، نزولاً عند الرغبة والضغط الإسرائيليين. فهل تعود عجلة التاريخ إلى مبتداها..؟