خبر: السهم الثَّاقب لنحر الطاعن على عثمان بزعم توليته الأقارب
07 يونيو 2015 . الساعة 07:01 ص بتوقيت القدس
اتخذ مدبرو الفتنة الكبرى من تعيين عثمان لبعض أقاربه في مناصب مهمة ذريعة للطعن فيه، والتحريض عليه، و التجرؤ على قتله، والتسبب في فتنة خطيرة، دمّرت وحدة الأمة، ومزَّقتها، وأراقت دماء أبنائها، وجعلتها تنزف منذ قتله وحتى اليوم. ويعتقد كثيرٌ من أهل زماننا، أنه قد أخطأ في تعيين بعض أقاربه، وأنه قد فعل ذلك محاباةً، و تمهيداً لإقامة دولة أُموية، أو أنه اجتهد لمصلحة الأمة، لكنه لم يوفّق. وألخص ردي على هؤلاء بالنقاط المركزة التالية: 1- كان ولاة عثمان ثمانية عشر والياً، ليس بينهم إلا خمسة أمويين فقط، وقد تمّ عزل الأُمَوِيَّيْن الوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، فلم يبق منهم إلا ثلاثة أمويين فقط. ومن هؤلاء الولاة غير الأمويين، أبو موسى الأشعري، و القعقاع بن عمرو، وجابر بن عمرو المزني، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وأبو الأعور السلمي، وحكيم بن سلامة، والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد الله البجلي، وسعيد بن قيس، وسلمان بن ربيعة. 2- لو كان مبدأ القرابة والمجاملة هو الذي دفع عثمان لتعيين الولاة، لجامل ربيبه محمد بن أبي حذيفة الذي كان من أقرب الناس وأحبهم إليه، فقد طلب من الخليفة أن يوليه، لكنه أبى محتجاً بعدم كفاءته، حيث قال له:" يا بُنيّ لو كنتَ رضاً، ثم سألتني العمل لاستعملتك، لكنك لستَ هناك". 3- إقدام عثمان على عزل بعض كبار الصحابة، وتعيين ولاة وقادة أقل فضلاً منهم، لم يتم بدافع القرابة، وإنما لكفاءتهم، وقد بيّن التاريخ أن القلة الذين عينهم من الأقرباء كانوا أكفاء، فعلوا ما لم يستطع السابقون لهم فعله. 4- اتبع عثمان في عزل الكبار وأهل الفضل، وتولية ذوي السن والفضل الأقل منهجَ النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ولّى الأقل فضلاً لكفاءتهم، كتعيينه لعمرو بن العاص أميراً في غزوة ذات السلاسل على جيش فيه أبو بكر وعمر. 5- ليس عثمان وحده هو من ولى أُمويين، فقد ولاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول ابن تيمية: " لا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عُمَّالٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من بني عبد شمس، لأنهم كانوا كثيرين، وكان فيهم شرف وسؤدد... فاستعمل على أفضل الأرض مكة... عتَّاب بن أُسيد بن أبي العاص، واستعمل على نجران أبا سفيان بن حرب بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص على صدقات بني مذحج وعلى صنعاء، واستعمل عثمان بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر وقرى عرينة، واستعمل أبان بن سعيد بن العاص على بعض السرايا، ثم استعمله على البحرين". 6- لاحظ أبو بكر وعمر كفاءة الأمويين، قبل عثمان، فولوهم، إذ يقول ابن تيمية:" فقد ولى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان، في فتوح الشام، وأقره عمر، ثم ولى عمر بعده أخاه معاوية". 7- كيف يُنكر على عثمان تولية بعض أقاربه، بينما ولَّى عليٌّ أقاربه، ولم ينكر عليه أحد؛ فقد ولى عبدَ الله بن عباس على البصرة، وولى عبيدَ الله بن عباس على اليمن، وولى قثم بن عباس على مكة والطائف، وولّى ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره؛ على مصر، وولّى ثمامة بن عباس على المدينة. 8- رد عثمان بنفسه على من اعترضوا على ولاته الأمويين، وصغر سِنِّهم، فقال:" لم أستعمل إلا مجتَمَعاً، محتمَلاً، مرضِيَّاً، وهؤلاء أهل عملهم، فسلوهم عنهم، وهؤلاء أهل بلدهم، وقد ولى من قبلي أحدَث -أصغر- منهم". 9- رد عليٌّ على الذين اتهموا عثمان بتولية غير الأكفاء من أقاربه، فقال:" ولم يولِّ إلا رجلاً عدلاً، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد -أموي- على مكة وهو ابن عشرين سنة". 10- لم يولِّ عثمانُ معاويةَ الشامَ لأنه أموي، فقد كان معاوية والياً عليها طول خلافة عمر، وأبقاه عمر عليها، وكان يثني عليه، بالرغم من شدته على ولاته. وسبق أن ولاه الصديق، ووثق به النبي صلى الله عليه وسلم، فاتخذه كاتباً للوحي. 11- سيرة معاوية الحسنة، وإنجازاته الحضارية والعسكرية والإدارية العظيمة، تدل على أن عثمان اختاره لكفاءته لا لقرابته. 12- لم يولِّ عثمانُ الوليدَ بن عقبةَ على الكوفة لقرابته، بل لكفاءته التي لاحظها قبله أبو بكر فاتخذه رسولاً أميناً بينه وبين خالد بن الوليد في وقعة المذار، ووجهه مدداً لقائده عياض بن غنم، ووثق به عمر، فولاه على صدقات بني تغلب، وأثنى الشعبي عليه، فحين ذكر له غزو مسلمة بن عبد الملك، قال:" كيف لو أدركتم الوليد وغزوه وإمارته، إنه كان ليغزو فينتهي إلى كذا وكذا، ما نقص ولا انتقص عليه أحد حتى عزل"، وذكر الطبري أن الوليد كان: "أحب الناس في الناس، وأرفقهم بهم، وقد أمضى خمس سنين وليس على داره باب". 13- لو كان عثمان محابياً لما عزل الوليد، وجلده، عندما شهد عددٌ من أهل الكوفة عليه بشرب الخمر، لقد فعل ذلك، بالرغم من قسم الوليد أنه لم يشرب، وأن شهادة أهل الكوفة فيه كانت شهادة زور. وهي كذلك حسب كثير من الروايات الصحيحة، وحسب سيرة أهل الكوفة السيئة مع ولاتهم. 14- تؤكد المصادر التاريخية حسن سير بقية ولاته من الأمويين، فواليه على مصر عبد الله بن سعد قائد وبطل معركة سبيطلة التي فتحت فيها أفريقيا، وقائد معركة ذات الصواري التي هزم المسلمون فيها الروم لأول مرة في البحر. وواليه الجديد على الكوفة سعيد بن العاص فاتح طبرستان، قال فيه الذهبي:" أميراً شريفاً جواداً ممدحاً حليماً وقوراً ذا حزم وعقل". وإقدام أهل الكوفة على طرده، ليس دليلاً على عيب فيه، لأن هذا خلقهم مع كل من تولى عليهم، حيث قال فيهم عمر:" أعياني أهل الكوفة، فإن استعملت عليهم ليِّناً استضعفوه، وإن استعملت عليهم شديداً شكوه". وواليه على البصرة عبد الله بن عامر بن كُرَيِّز، قال فيه الذهبي:" من كبار أمراء العرب و شجعانهم وأجوادهم، وكان فيه رفق وحلم"، وهو فاتح خراسان كلها، وأطراف فارس، وسجستان، وكرمان، وفي إمارته قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس. رحم الله عثمان، ولعن أهل الفتن والطغيان، الذين لا يخلو منهم زمان.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.