10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
14.89°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة14.89°
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.66

خبر: أبو شحبور وهارون الرشيد!

خرجت وفود المهنئين من عند خربوش، وبقي عبد الرحمن وولده عبد الله. كان خربوش قد ترقّى في عمله، وصار صاحب مسؤولية كبيرة، وكانت سعادته غامرة لأنه حصل على ما تمناه وسعى إليه، وكانت فرحته أكبر بالتفاف الناس من حوله، وحجم الوفود المهنئة له، لكن ما أثار استغرابه هو قدوم عبد الرحمن وولده، وهو يعلم حجم زهده في الدنيا، وقناعاته بأن المسئولية هم كبير، يحتاج صاحبها إلى من يعزيه لا من يهنئه! تنحنح عبد الرحمن وقال: - جئت ناصحا لا مهنئا، فالتهنئة ليس هذا مكانها ولا زمانها! - ومتى تكون التهنئة إذا؟! - عندما تنتهي من أداء المسئولية على خير وجه تستحق التهنئة الكبرى! - (فال الله ولا فالك) يا رجل! تتمنى زوال النعمة عني! - هذه نعمة إن أحسنت أداءها، ونقمة إن خربشت فيها! والنصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين! - ألا تغبطني على تلك المسؤولية؟! ألا ترى حجم وفود المهنئين! - لا شك أني أغبطك على ذلك، لأنني أتوقع منك بعد كل تلك التجارب أن تحسن في أداء عملك، وأن تكون أخطاؤك مجرد هنّات، من السهل إصلاحها! لكني أخاف عليك أن تزل قدمك، لذلك أتيت مذكرا ومرشدا... - لا تقلق عليّ! لدي خطة عمل كبيرة وطموحة. - أعانك الله، وسأتابع أخبارك بشغف ما استطعت في أثناء سفري. *** مر عام على ذلك اللقاء، ورجع عبد الرحمن من سفره، ليُفاجأ من حديث الزائرين عن صاحبه خربوش، والأخطاء الجسيمة التي ارتكبها، واكتشف أن خربوش لم ينفذ من خطته الطموحة شيئا، وأنه انشغل عن ذلك بقضايا صغيرة لا أهمية لها، ولمّا جاءه خربوش زائرا كان لا ينفك عن قطع الحديث بالرد على الجوال، واستنتج عبد الرحمن من الردود حجم المأزق الذي وقع فيه خربوش، فبادره قائلا: - يا صاحبي، ماذا فعلت بكذا وكذا؟! كانت إجابات خربوش متلعثمة، وكل ما فهمه منها عبد الرحمن قوله: - لقد كانت الظروف أكبر مني، لقد وجدت معوقات لم أفكر بها مطلقا، ولقد تجاوزت عن الخطة الطموحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه... - أخشى عليك أن تكون فعلت كما فعل أبو الحسن المغفل مع هارون الرشيد! - والله زمان عن حكاياتك الطريفة يا صديقي بيدبا!! - أبو الحسن المغفل ضيّع ماله الذي ورثه عن أبيه مع رفاق السوء، وتمنى على الله أن يمنحه المُلك، ليتزوج ممن يحب، ويؤدب أصدقاءه. سمعه هارون الرشيد، كما تقول الحكاية، فاستعان عليه بمساعده، وخدّره، ووضعه في قصر السلطان، على أنه هو السلطان. صدق الرجل نفسه، واستغنى عن آماله، ونسيها منشغلا بطغيان المستجدات عليه، حتى أنه زوّج من يحب لغيره، وأوشك أن يبيع ممتلكات السلطان! وفي الليلة التالية اكتشف حجم الخديعة، التي خدع بها نفسه، لأنه ضيّع الفرصة، ولم ينفذ طموحاته! - تقسو عليّ يا عبد الرحمن! ولم تر ما رأيته! - حذرتك من نفسك يا صاحبي، الحياة ليست لعبة، الحياة فرصة للنجاة بحسن العمل، وحسن العمل يقوم على فهم الهدف منها، والتركيز في وسائل تحقيق الهدف، لا الانشغال بمشتتات الذهن ومشتتات الروح! - اجتهدت، وأخطأت! - لا تحرّف الكلام عن مواضعه! من يحرث ثم يدوس على حرثه ويفسده يعمل أيضا، لكن شتّان بين عمل مدروس وعمل خاضع لعواصف الريح! ومن ينشغل بالعسل لن ينجو من الوحش الرابض في قاع البئر، ألم تسمع بحكاية "العسل والفأران الأبيض والأسود"؟ - وماذا كانت حكايتهم؟ - ألجأ الخوف رجلاً إلى بئر تعلق بغصنين نابتين في أعلاها، رأى في أسفل البئر وحشاً فاتحاً فمه، ينتظر وقوعه، وفي أصل الغصنين جرذان، أحدهما أبيض والآخر أسود، يقرضان الغصنين بلا توقف، فأدرك أنه لا محالة واقع في فم الوحش، لكنه أبصر أمامه فتحةً فيها عسل، لحس منه، فوجده شهياً، فراح يلتهمه، ونسي الجرذين والوحش! - فسّر كلامك، الله يهديك! - هذا كلام بيدبا الحقيقي: الغصنان هما العمر، والفأران هما الليل والنهار، والوحش هو الموت الذي لا مفر منه، والعسل هو المتاع القليل الذي يشغل الناس! فتأمل ذلك جيداً!!!!!