14.45°القدس
14.21°رام الله
13.3°الخليل
17.67°غزة
14.45° القدس
رام الله14.21°
الخليل13.3°
غزة17.67°
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.66

خبر: 2011.. تحولات ومآلات

انقضى منذ فترة وجيزة واحد من أكثر الأعوام إثارة وإفعاماً بالأحداث والتحولات على المستوى العربي. لم يكن عام 2011 مجرد رقم من السهل نسيانه، نظراً لحجم التحولات والتصدعات التي شهدها. فانفجار الثورات العربية على امتداد الوطن العربي الفسيح، وارتداداته الزلزالية التي لا تزال قائمة، تنذر بعام جديد لا يقل عنه اضطراباً وربما تحولاً، وفي أكثر من بلد عربي. والحال أن حريق البوعزيزي لنفسه أشعل، منذ نهاية العام الماضي 2010 وفي السابع عشر من شهر ديسمبر كانون الأول منه، سلسلة من الارتدادات لم يكن متوقعاً أن تبدأ في بلد مثل تونس، عرف على مدى السنوات التي تلت الاستقلال قدراً من الاستقرار السياسي والانفتاح الاقتصادي احتلت معها تونس صدارة قوائم النمو الاقتصادي للمنظمات الاقتصادية الدولية، لكن الاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي أوديا بحصيلة هذا النمو إلى جيوب طغمة متنفعة، فثار البوعزيزي لكرامته التي حاولت شرطية بسيطة النيل منها، ومعه كرامة آلاف الشباب التونسي العاطل عن العمل، وكان هروب بن علي المفاجئ والدراماتيكي "فاتحاً" لشهية دول وشعوب أخرى لم تر نفسها أقل سوءاً أو حظاً، إن جاز لنا التعبير، من حال جارتها تونس. الزلزال التونسي سرعان ما قوبل رسمياً ومن قبل أنظمة استبدادية قبل غيرها (كمصر وليبيا) بالتهكم والسخرية والإصرار على اختلاف الأوضاع والظروف والشروط. لكن علة الحكم، كما يقول الفقهاء، كانت واحدة وحاضرة في كل بلد عربي عرف امتداد الحراك الشعبي إليه، فكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، بمثابة تواصل شعبي لم يستطع معه واحد من أعتى أنظمة الحكم العربية المدعومة خارجياً من مواجهته، فكان التنحي الشهير وخطاب عمر سليمان عن تولي المجلس العسكري الحكم إعلاناً لانتصار حراك الثوار الشعبي في ميدان التحرير الذي تحول أيقونة عربية بامتياز. من مصر إلى جارتها ليبيا، التي غاصت في مستنقع وحل الناتو وابتزازاته لإزاحة واحد من أكثر الأنظمة استبداداً، ورجل من أكثر الزعماء إثارة للجدل، معمر القذافي، وبعد شهور عجاف طويلة من الكر والفر، نجح ثوار ليبيا في اقتناص رأس النظام وإعدامه، مع الأسف، بالطريقة البشعة التي رأيناها، ودفن ما كان بحوزة الزعيم الليبي من أسرار وخفايا، على الأقل، على صعيد أماكن وجود ثروة الشعب الليبي. في اليمن وسوريا، لا تزال الرمال المتحركة تغرق الحراك الشعبي في كلا البلدين، ولا تزال المبادرات والمناورات السياسية تبتز البلاد والعباد، وتدخل البلاد أتون الخوف من حرب أهلية بدت ملامحها في كلا البلدين واضحة جلية، على أمل أن ينجح كلا الشعبين، السوري واليمني، على ما بينهما من ترابط تاريخي وديني، في تجاوز محنتهما وتدوين مستقبل أفضل في العام الجديد. لن آتي بجديد إن قلت: إن ما جرى في عام 2011 من تحولات جذرية وحراك شعبي ثوري، لم تستكمل بعد ارتداداته في معظم الدول العربية، وبالذات التي عرفت جزءاً من الحراك الشعبي في عام 2011. فعلى الرغم من الانتخابات النزيهة والديمقراطية في تونس والمغرب تالياً، ونجاح الإسلاميين في الوصول إلى الحكم، وعقد تحالفات مع بقية القوى السياسية الأخرى لاقتسام السلطة، إلا أن امتحان النجاح في الحفاظ على المكاسب الديمقراطية التي تحققت على إثر الثورة في تونس، وبضغط من الحراك الشعبي ومخاوف وصول مد الربيع العربي في المغرب، سوف يشكل هاجساً كبيراً وضاغطاً على الإسلاميين الذين باتوا اللاعب الأول في العملية السياسية في المرحلة المقبلة. وبالنسبة للجارة الاشتراكية الوحيدة في شمال إفريقيا (الجزائر)، والتي هددت روسيا بحمايتها مع سوريا بوصفهما المعقلين الأخيرين لها في المياه الدافئة على شواطئ المتوسط، ضد أي تدخل خارجي، بحسب زعمها، فإن استحقاق الانتخابات التشريعية مطلع الربيع المقبل، وقدرة إسلاميي الجزائر على تجاوز محنة الانقسام الحالي، ومحنة الاضطهاد التي عوملوا به إبان سنوات ما بعد حكم العسكر، بعد انقلابهم الشهير عليهم إثر فوزهم بالانتخابات، يظل الهاجس الأكبر لمجتمع تتنوع مشاربه وتتنازعه التيارات والمسارات بين العروبة والفرنسة والإسلام. في ليبيا، تبدو الأمور صعبة أكثر، حيث تحدي الإعمار واستعادة الأموال وبناء دولة ديمقراطية عصرية تعيد إدخال الشعب الليبي إلى التاريخ بعد أن أخرجه القذافي منه بخزعبلاته وصرعاته الغريبة، يظل الهاجس الأهم، لكن هاجس السلاح الذي بات منتشراً بين أيدي الثوار والحفاظ على الأمن يتصدر جدول التحديات في ليبيا، مع وفرة الأموال والقدرة نظرياً على إعادة بناء الدولة بعد إنجاز المصالحة الوطنية الداخلية بين مكونات المجتمع الليبي دون استثناء. مصر، أم الدنيا، وخزان العرب والمسلمين البشري، لا ينتابني تفاؤل في العام الجاري بالنسبة لمستقبلها، بالنظر إلى ما يحدث فيها حالياً. فسرعة سقوط النظام وتنحي مبارك عن الحكم لم يكن كافياً، من وجهة نظري، لإعلان ثورة حقيقية في دولة محورية وهامة كمصر، وعليه، فإن قادمات الأيام قد تشي باستمرار دوامة الصراع على السلطة في مصر بين القوى السياسية، وبالذات الإسلامية ذات المشرب غير الإخواني والليبراليين، مع المجلس العسكري الأعلى، حتى استكمال الثورة لأهدافها ومنجزاتها، وبناء نظام ديمقراطي حقيقي لا يقوم على التحالفات السياسية بين القوى المتنفذة فيه وحدها. في كل من اليمن وسوريا اللتين تتشابه فيهما الظروف والمعطيات إلى حد ما، لا أعتقد أن كلا البلدين سوف يعرفان نوعاً من الهدوء السياسي أو العسكري، مع الأسف، في ظل مراوغة ومناورة القوى الدولية والعربية والمحلية ومماطلتها لإيجاد الحلول لكلا البلدين. وما لم يحصل توافق بين الجميع على إيجاد مخرج، لا حل، لكلتا الأزمتين فإنهما مرشحتان فوق العادة للاستمرار ونزيف الدماء. لعل من أبرز نتائج ومعطيات العام المنصرم، ومن الناحية الإيجابية، انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، لكن مؤشرات هذا الانسحاب وترك الأمريكان لعدد لا بأس به من الجنود تحت مسميات مختلفة لحماية أكبر سفارة أمريكية في العالم، وبوادر التأزم السياسي المفاجئ الذي دخلته البلاد مع توالي إعلان الأقاليم العراقية انفصالها كوحدات إقليمية لا مركزية التابعية، تشي باحتمال تقسيم العراق بيد أهله وأبنائه بعد خروج الأمريكان، ما لم يتنبه العراقيون وساستهم إلى مخاطر الاحتقان المذهبي والطائفي القائم، وخطورة التفريط بمنجز انسحاب وخروج الاحتلال عسكرياً، ولو نظرياً، من العراق، ليعود بعد فترة إليه عبر عقود النفط طويلة الأمد، كما يحدث الآن، أو التدخل للتوسط بين الفرقاء العراقيين، كما هو متوقع عما قريب. فلسطينياً، وعلى الرغم من الانفراج الذي عرفه ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وتوافق الطرفين على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية منتصف العام الجاري، إلا أن الحال يفرض علينا القول إن قرار الفلسطينيين، مع الأسف، ليس بأيديهم دوماً، وإن العامل الخارجي، سواء كان عربياً أو إقليمياً أو دولياً، وحتى إسرائيلياً، سوف يتدخل لتوجيه مسار المشهد الفلسطيني واللعب بمعطياته، وعليه، فإن الانشغال ببناء حكومة وحدة وطنية وإعادة بناء منظمة التحرير وغيرها من الملفات العالقة من المحتمل تدوير البحث بها إلى العام المقبل، نظراً للضغوطات الخارجية المتوقعة والحاصلة فعلاً، ويبقى ملف الأسرى الملف الوحيد الذي عرف ارتياحاً شعبياً فلسطينياً، دون أن ننسى ما ناله من انتقادات لعدم الدقة في اختيار معايير إطلاق الأسرى في الدفعة الثانية، من وجهة نظر البعض... لا جميعهم.