28.07°القدس
27.7°رام الله
27.19°الخليل
29.58°غزة
28.07° القدس
رام الله27.7°
الخليل27.19°
غزة29.58°
الأربعاء 11 سبتمبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.14يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.14
دولار أمريكي3.76

خبر: السر وراء نقل أسرى النقب؟

قطعا لم يكن سجن النقب فندق خمس نجوم، ولم تكن ساحاته الضيقة كحدائق كوكينهوف الهولندية، ولا إطلالتهِ كطلة قاسيون، الأسير فقط يطلُ على نفسهِ وعلى ملامح السنوات التي جفت من عمرهِ، ويحاول إسترداد بقايا هواء صادروه من رئة الحرية الخاصة بوطنه ليصدروه مرة أخرى له نسمة نسمة كمن يتنفس من خرم الإبرة، ومهما حصل الأسرى في هذا السجن على امتيازات انتزعوها بعد العديد من الإضرابات والإحتجاجات التي قامت بها الحركة الأسيرة فلن تساوي دقيقة من وجودهم خارج السجن، ولا تستحق الذِكر أساسا لأنها لم ترتقي للمستوى الإنساني المطلوب. بعد تعيين ذلك السادي المدعو إيلان بوردة والمعروف بطرقهِ المبتكرة في تعذيب الأسرى كمدير لسجن النقب، بدى ظاهرا للجميع أن الخطة التي سيقوم بتنفيذها تقتصر على نقل الأسرى من النقب إلى بقية السجون بسبب تقلص عددهم بعد خروج 1027 أسير وأسيرة في صفقة وفاء الأحرار، لكن لو نظرنا إلى مشكلة نقل أسرى النقب بعمق أكثر لوجدنا أن هناك عدة أسباب خفية غير مُعلنة من قِبل العدو الصهيوني، خاصة وأن الهدف الأساسي والأزلي لهم هو تفكيك الحركة الأسيرة وتجهيلها ومنع أي وسيلة يمكن أن تبث الوعي في عقول الأسرى بالإضافة إلى محاولة عزلهم عن العالم الخارجي والتضييق عليهم أكثر. يأتي قرار النقل " المدروس جيدا والمُعد له مُسبقا " كتتمة لسلسلة التضيقات على الأسرى، وهنا لا نقصد فقط أسرى النقب، بل كافة الأسرى في بقية السجون، فنقل ما يقارب الألف أسير سيولد حالة إكتظاظ في بقية المعتقلات، الأمر الذي من شأنه أن يضرب الاستقرار بين الأسرى وهي سياسة متبعة لها نتائج سلبية على حقوقهم. لا يقف الأمر هنا، فلطالما حَرَمَ العدو الأسرى من زيارة ذويهم، وتأتي خطوة النقل هذه لتُسهيل مهمتهِ، فمقابل ما يقارب الأف أسير هناك ألف عائلة أسير سيأتون للزيارة، وبالتالي نقل الأسرى لبقية السجون سيشكل ضغط كبير في الزيارات، وبدل أن يحظى الأسير بزيارة كل شهر ،ستصبح كل ثلاثة أشهر مثلا، وهنا يبرز مخطط الانتهاكات المُعد له مسبقا، وحتى لو لم تتأثر عدد الزيارات، فلا شك أن هناك أمور أخرى ستتأثر كتقليص مدة الزيارة، وطول مدة انتظار الأهل، الأمر الذي يسبب إزعاج وتعب لكلا الطرفين ولنفسيتهم، وهذا جزء من النوايا الخفية . من ناحية أخرى لاحظنا أن العدو قام بعزل الأسرى المحكومين "إداري" عن بقية الأسرى في قسم خاص بهم، وبالذات أسرى حركة حماس، ومن المعروف أن شريحة الأسرى الإداريين تضم أبرز قادة الحركة ونشطائها من وزراء ونواب وعدد من المجاهدين الذين كانوا معتقلين عند السلطة الفلسطينية واعتقلهم الإحتلال وحولهم للإعتقال الإداري لعجزه عن نزع أي اعتراف منهم، بالإضافة إلى مسؤولي العمل التنظيمي، كما نلاحظ أن غالبية الأسرى الإداريين من حملة الشهادات العليا. عمليا هذا القسم يجمع شريحة مميزة ومثقفة وواعية ولها القدرة على اتخاذ القرار والتأثير في بقية الأسرى ودعمهم معنويا وتعليمهم الكثير من خبراتهم، وعزل هذه الشريحة عن بقية الأسرى كان مقصودا لما لها من دور قيادي وريادي، وقيام العدو بعزلهم بشكل جماعي وإبقائهم بالنقب يؤثر بطريقة أو بأخرى على بقية الأسرى، مع العلم أن غالبية المطلعين على الأمور التنظيمية هم معتقلين إداريين. بقي أن أشير لنية خفية يمكن لنا ملاحظتها قامت بها إدارة سجن النقب، وهي تولي جهازي "الشاباك والشاباص" مسؤولية الإشراف على قسم الأسرى الإداريين، في الوقت الذي نعلم جيدا أن جهاز الشاباص – "مصلحة السجون الإسرائيلية وهو يتبع لوزارة الداخلية الإسرائيلية" - هم فقط الذين يشرفون على بقية السجون، ولهذه الخطوة دلالات مختلفة وتفسيرات عديدة أبرزها أن صناعة أو اتخاذ أي قرار يأتي في أغلب الأحيان بالتشاور مع المعتقلين خاصة في ظل غياب تنظيم حماس ومكاتبها الإدارية في الضفة الغربية، لذلك فإن إشراف جهاز الشاباك – " جهاز استخباراتي داخلي في إسرائيل متخصص في محاربة حركات المقاومة الفلسطينية " - يعطي العدو كم هائل من المعلومات المهمة والتي تؤثر في تحليل الواقع والمستقبل للمقاومة وللوضع الفلسطيني بناءا على معرفتهم بما يدور داخل التنظيمات والقرارات المتخذة، لأن معظم التشاورات تتم من خلال الانترنت المستخدم في الهواتف المحمولة أو عن طريق الاتصالات، ومن المعروف أن جهاز الشاباك لديه قدرة لا بأس بها في مراقبة شبكات الانترنت والاتصالات بشكل عام وبالتالي يمكنهم الاطلاع على غالبية المعلومات خاصة وانه لا سبيل للأسرى بالتواصل إلا عن بهذه الطريقة. مهما حاولنا الوقوف وجها لوجه أمام نوايا بني صهيون، ستبقى الأسباب الخفية لنقل الأسرى وممارسات أخرى قد لا نعلم بها رهن أنفسهم المبرمجة على القمع والظلم. هذا الموت الموجه بشهية نحو الأسرى باتَ شعورا يقتلني ويبعثني عدة مرات كي أواصل الكتابة لهم ولأجلهم، ما دَلني أحدٌ عليهم، سمعتُ صمتهم يصرخ في وجهي ويبصق في وجه القادرين على الحياة دونهم .