12.23°القدس
11.99°رام الله
11.08°الخليل
15.77°غزة
12.23° القدس
رام الله11.99°
الخليل11.08°
غزة15.77°
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.66

خبر: إنهم يأكلون لحوم الموتى!

انفض الناس عن مائدة الطعام العامرة في بيت عبد الكريم، جلس خربوش بجانب صديقه عبد الرحمن، وقال له: هل عرفت السبب الحقيقي لهذه المأدبة؟!. قال عبد الرحمن: إنها بمناسبة فرح الرجل بحصوله على شهادته العلمية الأخيرة. قال خربوش: السبب الحقيقي أنه يحاول أن يكفّر عن ذنوبه بحقك وحق بعض أصدقائنا! قال عبد الرحمن باستغراب: أي ذنوب؟! قال خربوش: لقد أساء لك عند أصحابك يوم... قاطعه عبد الرحمن بحسم: يا صديقي هذه ثالث مرة تسيء للرجل، وأنت تجلس في بيته، وتأكل من طعامه، وتذكره بما ليس فيه! قال خربوش: أقسم بالله، إن ما قلته كله صدق... قال عبد الرحمن: إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته! كان الحسن بن علي رضي الله عنه كثير الصمت، فلامه بعض الناس على ذلك فقال: (إني وجدت لساني كالسبع، إن أرسلته أكلني). وهو بذلك يسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن حصائد الألسنة التي تكبّ الناس على وجوههم يوم القيامة. ألم يأن لنا أن تخشع قلوبنا لما نزل من الحق؟ ألم يأن لنا أن نحاسب أنفسنا وفق منهاج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ألم يرسم القرآن الكريم لنا صورة بشعة لمرتكب الغيبة؟ قال خربوش: لا أنا ولا تلك الكلمة! قال عبد الرحمن: لسانك وفق التعبير القرآني في جريمة الغيبة أشبه بمن يلوك جيفة أخيه الميت -والعياذ بالله- والصورة فيها ما فيها من تمثيل وتقريب ووضع نقاط على الحروف. وتخيُّل أكل لحم البشر مقزز ومثير للاشمئزاز، فكيف به إذا كان لحماً منتناً لجيفة منتنة، وكيف به إذا كانت هذه الجيفة لأخ أو لصديق أو لزميل أو لقريب؟! قال خربوش: يا رجل، لا تجعلني أتقيأ! قال عبد الرحمن: إن الكثيرين (قد) يؤوبون ويستغفرون عن نهش لحم إخوانهم عند وفاة أحدهم أو استشهاده، حيث (قد) يستيقظ الواحد منهم ليدرك حجم ما ارتكب بحق أخيه، لذلك فاعتماد الصورة القرآنية على ذكر صورة الأخ ميتاً يوحي بغيابه وعجزه عن الرد على ما ينسب إليه، وفي ذلك تنفير من زاوية أخرى لأن الموت أحق عند الإنسان بالهيبة والاحترام والذكرى والرجوع إلى الحق. كما أن التعبير القرآني بكلمة (الأكل) لا (الافتراس) فيه ما فيه من تصوير بشاعة أداء المجرم الذي يأكل بهدوء وراحة بال دون تأثر، وغفلة (المأكول) وعدم أخذه أي محاولة للاعتراض أو المقاومة، لأن الافتراس يقتضي الهجوم والمقاومة، أما الأكل فلا يوجد فيه معنى الافتراس فتأمل معي روعة التعبير القرآني، في تصوير بشاعة الفعل! قال خربوش: الله يستر عرضك! لا تستطرد، ويكفيك مواعظ! قال عبد الرحمن: كأنك لا تتعظ...! يا عبد الكريم! يا عبد الكريم! توسل خربوش بعينيه صديقه عبد الرحمن، وتمنى عليه ألا يكشف أمره، ضحك عبد الرحمن وقال لصاحبهما عبد الكريم: إن خربوش أعجبه الطعام، فلا تحرمه من دعوة أخرى بمناسبة فرح جديدة، أدام الله عليك الأفراح! قال خربوش وهو يتنفس الصعداء: نعم، نعم... قال عبد الكريم بحب: مرحبا بك يا خربوش، لن أخيب رجاءك فاستعد لوجبة أخرى! انطلق عبد الكريم لمجموعة أخرى من الضيوف يعلقون على الطعام، ويشكرون كرم الضيافة، وخربوش متضايق، يحمد الله أن عبد الرحمن لم يحرجه مع صاحبه، وعبد الرحمن يبتسم ويقول: تخشى الناس يا خربوش والله أحق أن تخشاه! قال خربوش: يا رجل، حطّمت أعصابي! قال عبد الرحمن بحنوّ: رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال؛ فليستحللها منه، من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يُؤخذ من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه، فزيدت على سيئاته . يا خربوش قل معي: اللهم لا تجعلنا ممن يقولون ما لا يفعلون، وعلمنا الالتزام بكتابك الكريم، وسنة نبيك الهادي إلى سواء السبيل، اللهم ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، واهدنا واهدِ بنا يا رب العالمين. اللهم آمين!