حالةٌ من الغليان الشعبي، هو ما تعيشه الضفة الغربية المحتلة في هذه المرحلة التي شهدت ولا تزال، تصعيدًا إسرائيليًا خطيرًا، تمثل بالاقتحامات المتكررة والممنهجة للمسجد الأقصى، التي تلتها فاجعة إحراق عائلة الدوابشة، مرورًا بالاحتقان الشديد الذي لا زالت تشهده سجون الاحتلال.
الكثير من الآراء السياسية لمحللين ومراقبين فلسطينيين، وآخرين من جانب الاحتلال، تؤكد أن المشهد الجديد الذي تعيشه الضفة الغربية، مصدره حالة وعي جمعي فلسطيني يسير نحو ضرورة التحرك للتصدي للتصعيد الإسرائيلي، الذي عجزت السلطة الفلسطينية عن وقف أمواجه بالسُبل السياسية والدبلوماسية والقانونية.
وتُجمع تلك الأصوات الفلسطينية على أن الضفة الغربية المحتلة تعيش حالة من الاشتعال الذي سينفجر في أية لحظة في وجه الاحتلال، فيما أكدوا أن الاحتلال بأجهزته الأمنية والعسكرية يفقد تدريجيًا قدرته على إخماد نيرانها.
إفشال عمليات
فقد كشفت معطيات إسرائيلية جديدة أن قوات الأمن الإسرائيلية أفشلت منذ مطلع العام الجاري 111 عملية للمقاومة، 17 منها استشهادية، و8 كانت تخطط لأسر جنود إسرائيليين.
كما تقرّ المعطيات الإسرائيلية، بوقوع إصابات يومية في صفوف المستوطنين والجنود بمعدل لا يقل عن إصابتين يوميًا، فيما تتحول كافة الاقتحامات للقرى والمدن بالضفة إلى حالة من المواجهات الحقيقية، التي تستخدم الأسلحة فيها أحيانا، خاصةً في عدد من المخيمات.
وأشارت المعطيات إلى أن نشاط المخيمات الفلسطينية يعد لافتا، حيث تعدّ المخيمات من أهم مناطق الصدام المسلح وشبه المسلح بوجه الاحتلال.
دور السلطة
وتشير التقارير الإسرائيلية بأن للسلطة الفلسطينية جهد كبير في مواجهة خلايا المقاومة، حيث لا تزال رغم الجمود السياسي الحاصل، تشدد مراقبتها وملاحقتها لأبناء فصائل المقاومة وعلى رأسهم كوادر ونشطاء حركة حماس.
ونوهت التقارير إلى أن الإحصاءات التي كشفت عنها، لا تشمل العمليات التي أحبطتها أجهزة السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة.
ويُعزز التقديرات الأمنية الإسرائيلية جملة من التصريحات لمسؤولين أمنيين حول الدور الفاعل الذي تقوم به السلطة في ملاحقة خلايا المقاومة، والتي كان آخرها اعتقال الأجهزة للعنصرين الأساسيين في خلية سلواد التي نفذت عملية إطلاق نار شمال رام الله، والتي قُتل على إثرها مستوطن وأصيب آخرون.
خشية إسرائيلية متصاعدة
مدير مركز القدس للدراسات علاء الريماوي، رأى أن الجديد في التحليل الأمني الإسرائيلي لعمل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، يقوم على أن مجموعاتها في الغالب باتت أُسرية، أو محلية، أو ذات علاقات مغلقة.
وأشار الريماوي إلى أن الخشية الإسرائيلية من حالة المقاومة الظاهرة في الضفة الغربية تتركز في عدة أركان، أهمها تبلور مجموعات بطابع مغلق يصعب اختراقه، وانتشار ظاهرة تصنيع أسلحة محلية زهيدة السعر مقارنة بالأسلحة المعروفة بغلائها.
فقد أشارت المعطيات الإسرائيلية إلى غياب استخدام أسلحة الكلاشنكوف في عدد من عمليات المقاومة، حيث بات هناك رواجٌ لاستخدام أسلحة مصنعة محلياً على غرار سلاح "الكارلو"، وهو النسخة المصنعة محليًا من سلاح " كارلو غوستاف" الذي يبلغ ثمنه (700 دينار أردني) أي ما يقارب (3700 شيقل).
كما أكد الريماوي أن المقومات العامة لحالة التصعيد في الضفة قائمة، لكن النقاش هو حول طبيعة ذاك التصعيد، والذي يرجح أن يبقى ضمن أفقين أحدهما فردي سيشتد بحسب الأحداث، وآخر جماعي منظم يشق طريقه ويتنامى لكنه يحتاج إلى غطاء شعبي للانفجار، بحسب تعبيره.
أهمية الإعلام
من ناحيته، قال المحلل السياسي ياسين عز الدين، إن المعطيات الأمنية التي كشفها الاحتلال، تركز على الإنجازات الإسرائيلية في إفشال عمليات المقاومة، داعيًا إلى التركيز على عمليات المقاومة الناجحة، عبر جمعها وتوثيقها.
وأشار عز الدين إلى أن أجهزة أمن الاحتلال مدعومةً بالإعلام العبري تنشر عادةً تقارير عن المقاومة في الضفة، تُركز العناوين والنقاط الرئيسة فيها على عمليات المقاومة التي تم إفشالها، دون تسليط الضوء على العمليات الناجحة.
ونوه المحلل السياسي إلى أن مثل تلك التصرفات الإسرائيلية متوقعة، لأنها تريد عرض إنجازات الاحتلال في إجهاض المقاومة، لرفع معنويات الجمهور الإسرائيلي وإحباط معنويات جمهور المقاومة.
وتابع "المشكلة في إعلامنا الفلسطيني الذي ينقل التقارير كما هي، ويساهم في إيصال رسالة العدو السلبية، في حين بإمكانه من خلال القليل من البحث أن يصل إلى المعلومات التي تهمنا نحن الفلسطينيون؛ أي العمليات الناجحة".