يبدو أن الأنباء المتداولة بخصوص نية خالد مشعل عدم الترشح لرئاسة المكتب السياسي للحركة بعد شهور، يبدو أنها صحيحة، من دون أن يعني ذلك حسم الأمر نهائيا في حال حدوث تدخلات من هنا وهناك، بخاصة من طرف الأوساط “الإخوانية” ذات التأثير على القرار الحمساوي، لاسيما أن لائحة الحركة التي تغيرت سابقا تسمح له بولاية أخرى (أخيرة). تسريب الخبر جاء أولا عبر شخص مفصول من الحركة، وفي سياق من الإشادة والتثمين، الأمر الذي فسَّره كثيرون بأنه محاولة لدفع الرجل إلى عدم التراجع عن قراره مهما كانت التدخلات، وذلك عبر تصوير القرار بأنه رائد وتاريخي. ليس هناك من يقول: إن استقالة خالد مشعل ستشكل كارثة سياسية بالنسبة لحماس، فقد خسرت الحركة من قبلُ شيخها وأروع الرجال في تاريخها كله (الشيخ الشهيد أحمد ياسين)، لكنها واصلت عملها، كما خسرت خليفته، وهو واحد من أعظم الأبطال؛ الذين أنجبتهم فلسطين منذ عقود طويلة (الدكتور عبد العزيز الرنتيسي) ثم واصلت فعلها وتأثيرها، وقبل الرجلين كانت قد خسرت ثلة من أروع الرجال (جمال منصور، جمال سليم، إبراهيم المقادمة، صلاح شحادة، إسماعيل أبو شنب)، فضلا عن رموزها العسكريين. على أن القول بعدم تأثر الحركة بغياب رجالها الكبار لا يبدو صحيحا بحال، إذ من العبث أن يتجاهل المحلل حقيقة أن الصهاينة كانوا يعيدون تشكيل هرمية الفصائل الفلسطينية عبر سياسة الاغتيال والاعتقال التي لم تكن عبثية في يوم من الأيام. وفي ظني أنه بعض التخبط الذي شاب عمل الحركة وخطابها السياسي خلال السنوات الماضية قد نتج عن غياب المجموعة المشار إليها، بخاصة الرموز الأربعة الذين اغتالتهم يد الغدر الصهيونية بقيادة شارون بعد حسم قرار الانسحاب من قطاع غزة. اليوم نقف أمام محطة جديدة لا تخص “حماس” وحدها، بل تعني القضية الفلسطينية برمتها، ومن الضروري أن تواجه حماس هذه المحطة بصف متماسك ورؤية واضحة لصالح خيار المقاومة وليس الجمع المستحيل بينها وبين السلطة، ولا أعتقد شخصيا أن ثمة مصلحة في تغيير رئيس المكتب السياسي في هذه المرحلة. الحركات الثورية ليست مثل الدول تبعا لطبيعة عملها وحراكها، وقد كان الشيخ أحمد ياسين هو قائد حماس منذ ما قبل التأسيس وظل كذلك حتى استشهد، الأمر الذي انطبق على ياسر عرفات في حركة فتح (دعك من المجموعات الأخرى الأقل تأثيرا)، مع ضرورة التذكير بأن القيادة في الحركات الثورية الحقيقية ليست مغنما، وقد تعرض مشعل لعملية اغتيال (تؤكد أهمية تغييبه بالنسبة للصهاينة) شاء الله عز وجل أن تكون محطة صعود للحركة، ولولا بطولة مرافقه “محمد أبو سيف” التي قدرها الله لكان اليوم في عداد الشهداء. من وجهة نظرنا لا يبدو التغيير في هذه المرحلة صائبا، ومع بعض ملاحظاتنا وسوانا على قيادة مشعل، إلا أن الرمزية التي حازها في الأوساط الرسمية والشعبية العربية والإسلامية يصعب تعويضها خلال وقت قصير، فضلا عن خبرته التي حصل عليها طوال 15 عاما قاد خلالها المكتب السياسي. ومن الضروري القول هنا: إن أسبابا ما؛ هي التي دفعت الرجل إلى التفكير بالاستقالة، وهي أسباب لا بد من التوقف عندها داخليا حتى يتم تجاوزها من أجل أن يكمل الرجل ولايته الأخيرة، ويغدو الأمر أكثر إلحاحا إذا كانت تلك الأسباب من النوع الذي يؤثر على الحركة في حاضرها ومستقبلها. لو كان البديل لخالد مشعل هو الرئيس السابق للمكتب السياسي (موسى أبو مرزوق) لكان الأمر مقبولا إلى حد كبير، حتى لو مال فارق الرمزية لصالح الأول تبعا لتزامن قيادته مع صعود الحركة الكبير واتساع نطاق علاقاتها خلال الألفية الجديدة ، إلى جانب قدراته الخطابية، لكن المشكلة هي إمكانية أن تؤدي الانتخابات إلى تولي شخصية أخرى للقيادة، بخاصة إذا كانت من قطاع غزة. هنا تبدو المشكلة ذات شقين؛ يتعلق الأول بالقدرات السياسية وعموم “الكاريزما” لمن يملكون حق الترشح قياسا بمشعل وموسى أبو مرزوق، مع الإقرار بفضلهم وجهادهم (حفظهم الله جميعا). والثاني وهو الأهم بنظري يتعلق بانتقال القيادة إلى قطاع غزة، وهذه مشكلة كبيرة ستؤكد حشر ثقل الحركة ورؤيتها في قمقم القطاع ومصيره الملتبس، فضلا عن وضع القيادة بشكل دائم تحت رحمة القيادة الصهيونية، أعني لجهة سهولة الاغتيال؛ ما إن يتخذ قراره. قيادة حماس الأولى ينبغي أن تبقى في الخارج، لأن “حماس” لم تؤسس لتحرير قطاع غزة، وإنما لتحرير فلسطين (كل فلسطين) وإعادة الشعب المشرد، والقطاع لا يعدو (على أهميته ورمزيته) أن يكون جزءًا صغيرا من أرض فلسطين التاريخية. أما الأهم فهو أن الشتات الفلسطيني ينبغي أن يبقى العنوان الأهم للقضية. وفي اجتماع الفصائل المخصص لإعادة تشكيل منظمة التحرير لم يكن عبثيا التوافق على أن يكون أعضاء المجلس الوطني 350، منهم 200 للشتات و150 للداخل. في ضوء ذلك، نتمنى ألا يكون خبر الاستقالة صحيحا. وإذا كان كذلك؛ أن يُعاد النظر فيه عبر تدخلات من داخل الحركة ومن أصدقائها والإخوان تحديدا. وفي حال إصرار الرجل على الاستقالة نتمنى أن يبقى قرار وجود قيادة الحركة في الخارج فاعلا أيا يكن رئيس مكتبها السياسي الجديد، لاسيما أن آفاق الحركة تبدو أرحب رغم الرحيل العملي من سوريا (الشعب السوري بعد الانتصار سيكون أكثر احتضانا للحركة)، وبالطبع في ظل تحولات الربيع العربي وصعود الإسلاميين في أكثر من دولة، بخاصة في مصر، صاحبة التأثير الأكبر في الملف الفلسطيني بشكل عام. بقي أن ندعو الله أن يلهم قادة حماس الصواب لما فيه خير فلسطين، وخير حركتهم المباركة التي قدمت أعظم التضحيات، وتضم اليوم في صفوفها جحافل من خيرة أبناء فلسطين الذين يتحرقون شوقا للتضحية في سبيل الله ومن أجل حريتها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.