بطبيعة الحال فإن تعبير (مبادرة فتح) الوارد في العنوان ليس لأجل التحدّث عن مبادرة فعلية تقدّمت بها الحركة على خلفية اعتقال رئيس المجلس التشريعي، أي الرجل الثاني في النظام السياسي بعد محمود عباس، إنما جاء بغرض الإشارة إلى ما لا تزال حركة فتح تعرض عنه وتتنكر له وهي تمضي في سياسة تعطيل المجلس التشريعي وفق قانون البلطجة والأمر الواقع الذي يجري العمل به في الضفة الغربية منذ الانتخابات الماضية، وليس فقط منذ عملية الحسم في غزة، والتي كانت قبل كل شيء عملية دفاع عن شرعية أريدَ إجهاضها وإقصاؤها بقوة السلاح. أن يعتقل الاحتلال رئيس المجلس التشريعي وجميع نواب حماس أمر لم يعد مستغرباً، وخصوصاً بعد أن صار بدهياً أن اعتقالهم يجري على خلفية سياسية وبهدف تعطيل عمل المجلس التشريعي، ومنعه من استئناف مسيرته، ذلك أن غالبية أعضائه يصنّفون كإرهابيين وفق المنطق الإسرائيلي الذي لا تردعه شرعية انتخابية ولا تردّه حصانة يكفلها القانون! أما أن تقابل فتح اعتقال الدويك بالمزيد من التعنت والصلف والمزايدة الرخيصة فهذا من الكبائر الوطنية غير العجيبة على حركة فتح. فما معنى أن ينبري ناطقوها للقول بلا خجل إن حماس تحاول المتاجرة باعتقال الدويك لمجرد أن نوابها طالبوا بعقد جلسة للتشريعي؟ وما معنى إنكار مطالبة حماس بفتح أبواب المجلس التشريعي رداً على اعتقال رئيسه واستئناف عمله تحدياً للاحتلال وسياساته في تغييب من لا ترضى عنهم من النواب؟! ما معنى أن تستهين فتح إلى هذا الحد بكونها باتت تمثل الوجه الآخر المعطّل لإرادة الجمهور الانتخابية في سياسة يمثّل الاحتلال وجهها المقابل؟ وكيف يبلغ بها الإسفاف درجة يتجرأ عبرها ناطقوها للتدليل على (عدم اكتراث حماس بنوابها) بعدم إصرار حماس على تضمينهم في صفقة شاليط؟ مع أن فتح ستكون أول من يهاجم حماس لو أن الأخيرة تمسكت بإخراج نوابها على حساب أصحاب المؤبدات، عدا عن أن فتح آخر من يحق لها الحديث في شأن الأسرى وهي التي غيّبتهم عن أجندة تفاوضها، ثم هي التي نعت على حماس (مغامرتها) بأسر شاليط! فوبيا حماس التي تهيمن على العقلية الفتحاوية تبعث على الرثاء حقّا، فناطقو الحركة الخائبون لا يستطيعون التفلّت من دائرة الهجوم الدائم على حماس، بينما يخفقون في التعليق على أية قضية أخرى لا مجال لإقحام حماس فيها، وهم فوق كلّ ذلك يملؤون جعبتهم الكلامية بأصناف مضحكة من الأكاذيب والاتهامات البالية، أما أن يصبح اعتقال الدويك مادة مزايدة جديدة على حماس فهذه عجيبة فتحاوية أخرى، لا مردّ لها سوى محاولة التستر على جريمتهم القانونية بحق المجلس التشريعي ونوابه، وعلى زيف وطنيتهم المدّعاة وهم يكررون المعزوفة المملة إياها حول المشروع الوطني الذي تحوّل إلى مشروع للاستثمار والتكسّب. أتمنى على جميع النّواب الحاليين في غزة والضفة ألا يغفلوا أن هناك جريمة كبيرة ما زالت تمارس ضد المجلس التشريعي، ويجب تشخيصها بدقة والعمل على وقفها. ذلك أن رهن استئناف أعمال المجلس التشريعي بالرضا الفتحاوي يضع مليون علامة استفهام على انتخابات جديدة لا أسهل من الانقلاب على نتائجها مجدداً، أو تعطيل عمل مجلس كامل بمجرد استجلاب بضع بنادق بلطجة مأجورة لتقفل أبوابه، وهو ما يعني كذلك أن فتح كحركة غير جاهزة لتقبّل المشاركة السياسية ولا لنبذ عقلية الهيمنة والبلطجة، ولا للكفّ عن استثمار تغييب الاحتلال للطرف المنافس لها من أجل التمكين لنفسها، والإمساك بمقاليد السيطرة والحكم رغماً عن الشرعية ورغماً عن خيار الشعب.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.